الرئاسة الأمريكية والسياسة الخارجية

د. فيصل رضوان| الولايات المتحدة الأمريكية

وعلى غرار ما كان يخشاه الكثيرون هنا، لم تكن ليلة الثالث من نوفمبر ليلة فاصلة فى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وحتى وقت كتابة هذا المقال لم يظهر فائز واضح في سباق متقارب بشكل اذهل كل التوقعات وأسقط كل الاستطلاعات. رغم ذلك فقد أعلن الرئيس دونالد ترامب – في تجاهل مذهل عن التقاليد السياسية الأمريكية وصمت رهيب من رواد فى الحزب الجمهورى- فوزه وطالب بوقف استكمال فرز الأصوات عبر البريد.

ومن الجدير بالذكر أن التخوف من التزاحم وعدوى فيروس كورونا فقد اضطر حوالى مئة مليون مواطن إرسال الصوت خلال البريد “على ان يكون مختوما بشكل قانونى قبل الثالث من نوفمبر الحالى” وهو ما تسبب فى تأخير الاستلام، وإجهاد كبير لعملية الفرز اليدوى التى بدأت مباشرة بعد غلق باب التصويت.

وعلى النقيض من ترامب، فإن منافسه الديموقراطي “جو بايدن” قد ابدى تفاؤله بأنه سينتصر في النهاية. وفي هذه المرحلة ، من المحتمل جدًا أن يستغرق الأمر أيامًا ، إن لم يكن أسابيع ، حتى يظهر فائز واضح ، مع إمكانية التقاضي بالمحكمة العليا الأمريكية. وهناك أيضًا خوف من أن الولايات المتحدة قد تواجه اضطرابات مدنية وأعمال عنف محتملة في الفترة الفاصلة.

وحتى لو أظهرت النتيجة النهائية، وكما هو متوقع فوز جو بايدن بالمجمع الانتخابى – وبمساعدة النظام القانوني الأمريكي والضوابط والتوازنات الدستورية — فإن هناك شئ واضح لا يمكن إهماله وهو التأثير المحسوب للقوى التي أدت إلى فوز ترامب في عام 2016 – والتى اظهرت جوانب النزعة الوطنية ، وكراهية الأجانب ، والقومية العرقية – حيث يؤكدها السباق المتقارب، وأن رهان الحزب الجمهوري على ترامب قد أتى ثماره جيدًا. حيث اصبح الأسلوب “الترامبى Trumpism” فى التعامل مع “الغير أمريكى” سمة من سمات الحياة السياسية الأمريكية. ومن المرجح، وربما بشكل خفي ، قد تشكل هذه السمة طبيعة التفاعلات الأمريكية الدولية لتعكس رغبة الناخب الأمريكى فى المستقبل.

وربما لا تتغير سياسة جو بايدن الخارجية عن رئيسه السابق باراك أوباما، وجوهرها استمرار المنافسة الاستراتيجية مع الصين ، ولكن مع التأكيد على دور التحالفات الدولية والتركيز على القيم وحقوق الإنسان – والبحث عن “نظام دولي ليبرالي” مستدام. لكنه مع تأثير هذه النتائج الانتخابية، فمن المرجح أن يأخذ بايدن في الاعتبار ، السمات الحالية لنزعة القومية “الترامبية” سواء من حيث سياساته المحلية أو الخارجية.

من الناحية العملية ، سوف يترجم هذا على حساب بقاء أمريكا حذرة بشأن تحقيق اكبر المصالح لها من نظام العولمة والتجارة الحرة. كما أنه ربما تظهر سياسات أمريكية توافقية أكثر صرامة لتنظيم الهجرة الداخلية، وحدود الدور الأمريكى عموما فى قضايا تخص البيئة والامن العالمى، والتى يتعين على بايدن أن يوازن بين هذه الاعتبارات الداخلية لتوجه حزبه الديمقراطي – مع سعي جديد ربما لاستعادة السلطة الأخلاقية والدور الرائد للولايات المتحدة في العالم ، بعد الفوضى التي سادت سنوات ترامب.

وعندما نتحدث عن الأفضل للمنطقة العربية، الجمهوري ترامب أم بايدن، فقد اشار تقرير حديث لBBC؛ على أنه يتعين التفرقة كما يقول كثير من المحللين بين رغبتين، رغبة الشارع العربي من ناحية، ورغبة الأنظمة من ناحية أخرى، خاصة تلك التي عقدت تحالفات قوية، مع الرئيس الحالي دونالد ترامب خلال فترة حكمه الأولى.

وفي معرض الحديث عن رغبة الشارع، أظهر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة “يو جوف” البريطانية، أن النسبة الأكبر من العرب، يفضلون فوز جو بايدن على نظيره الرئيس الحالى. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن بايدن تقدم على ترامب بفارق كبير، فمن بين 3097 شخصًا، شملهم الاستطلاع، في 18 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضّل حوالي 39% “بايدن” بينما اختار 12% فقط “ترامب”.

وعندما سئل من شملهم الاستطلاع عن المرشح الأفضل للعالم العربي، فإن الغالبية وتصل نسبتهم إلى (49%)، قالوا إن أيا من المرشحين “ليس الأفضل على الاطلاق”، ومع ذلك لا يزال “بايدن” خيارا أفضل من “ترامب” وفقا لنتائج الاستطلاع. وقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن رئيس مؤسسة “يوجوف” للاستطلاعات قوله : “لو كان العالم العربي يختار الرئيس المقبل، لفاز بايدن بأغلبية ساحقة”.

وقد تضررت صورة ترامب في الشارع العربي كثيرا بفعل عدة خطوات، منها قراره بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس وكذلك دعمه لضم مرتفعات الجولان السورية لإسرائيل، ودعمه في المحصلة النهائية لكل المواقف الإسرائيلية بالمنطقة.

وربما تكون الصورة مختلفة لدى الأنظمة العربية، خاصة تلك التي بنت تحالفات قوية مع ترامب، وتلقت منه دعما كبيرا لسياساتها، خاصة الداخلية منها، فعلى عكس سلفه باراك أوباما، دعم ترامب حلفاءه من الحكام العرب، في مواجهة مزاعم إنتهاك حقوق الإنسان، كما لم يبد أي اهتمام بالحركات الداعية للتغيير والديمقراطية في المنطقة.

ورغم أن الخطوط الرئيسية، للسياسية الخارجية الأمريكية، ربما لاتتغير كثيرا، في حالة فوز جو بايدن، كما يرى كثيرا من المراقبين، فقط سوف تتغير الممارسات لتلك السياسة، منها سحب الدعم الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، والتي أدت إلى تعالي أصوات رافضة لها في الكونجرس، بسبب ما أدت إليه من أزمة إنسانية يعيشها الشعب اليمني، وكذلك تخفيف التدليل المفرط الذي يحظى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

وفي الوقت الذي يستبشر نشطاء حقوق الإنسان والديمقراطية، في العالم العربي، بجو بايدن— فإن خبراء يحذرون من الإفراط في هذه التوقعات، ويرون أن تاريخ بايدن السياسي، لا يتضمن أي حرص من جانبه، على دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأن الرجل ربما لايكون مهتما بهذا الملف بالمرة ، بالصورة التي يتوقعها البعض، إلا في حدود تحقيق المصلحة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى