أطفالنا والتكنولوجيا الرقمية

 

أ.د. جمال علي الدهشان | اكاديمي مصري

الأطفال هم بناة الغد وصناع المستقبل فلا يمكن تركهم يتاثرون بكل ما يدور حولهم من تغيرات وتكنولوجيا متقدمة دون إعدادهم وتجهيزهم للاستفادة منها والاستعداد لها والتمكن من مقوماتها، بما يمكنهم من مخاطبة العالم والتعامل معه بلغة مفهومة وبقوة توازى قوة الاخرين واخذ نصيبهم من تلك التقنية والتزود بمفراداتها وجعلهم قادرين على اقتحام ساحة المستقبل بصورة أكثر طمانينة من خلال التعرف جوانبه الايجانبية وكيفية تجنب آثارها السلبية، خاصة مايتعلق منا بالتكنولوجيا الرقمية، تلك التكنولوجيا التى اصبحت سلاح التقدم فى كل المجالات، فلا حياة بدونها، ولا مستقبل بدونها.

إذا كنا نعيش الان فى عصر أصبحت فيه التكنولوجيا مقوم أساسى من مقومات حياتنا وحياة أطفالنا، فإن السؤال الذى يطرح نفسه على كثير من الآباء والمربين هو هل أطفالنا مجهزون بالمهارات الرقمية التى تساعدهم على تقليل الآثار الجانبية الضارة وزيادة فرص الاستفادة من التكنولوجيا ؟.Are our children equipped with digital skills to minimise the harmful side-effects and maximise the opportunities of technology?” ، فمنذ اللحظات الأولى التي يفتح بها الأطفال عيونهم على هذا العالم تبدأ هذه التكنولوجيا  في رسم تجاربهم الحياتية، وأفكارهم ومعتقداتهم، ليرافقهم هذا التأثر في جميع مراحلهم العمرية وتنشئتهم الاجتماعية

        ففى هذا العصر أصبح أطفالنا ينافسوننا فى اقتناء الأجهزة الالكترونية الحديثة كأجهزة الجوال والتابلت والايباد وأجهزة الألعاب المختلفة التى تحاكى التطور التكنولوجى المتسارع الذى جعل من العالم ليس قرية صغيرة فحسب بل صفحة فى موقع نشاهد أحداثه على شاشات الجولات والاجهزة الالكترونية ضمن برامج مباشرة وغير مباشرة وبه تعاظم التاثير على شخصياتهم افكارهم وتعاملتهم، واصبحت أدوات التكنولوجيا تساهم مساهمة كبيرة واساسية فى بلورة شخصية وسيكوجية وتفكير أطفالنا، وتؤثر جديا فى اكتسابهم سلوكيات عدوانية وشرسة بسبب إدمانهم بعض الألعاب الالكترونية القتالية ذات الطابع العدوانى والعنيف، إضافة إلى افتقادهم للمهارات الحركية وعدم استطاعتهم القراءة والكتابة، وانفصالهم عن انفسهم وعن الاخرين  والبيئة المحيطة بهم   وذلك لسكونهم وبقاءهم  فترات طويلة أمام الشاشات وادمانها، كما  أن هناك كثير من الآباء لكيلا ينزعج من الأصوات المصاحبة للمقاطع أو الألعاب التي أدمن عليها أطفاله يجبرهم على استخدام سماعات الأذن التي أصبحت ذات شعبية قوية بين فئات المجتمع، وهناك أيضا من يستخدمها كجزء من «اللوك» ولا يعلمون ما قد تسببه هذه السماعات التي توصل الصوت إلى قناة الأذن مباشرة من أذى لطبلة الأذن مما قد يسبب الدوار، وأيضا فقدان السمع وعدم التركيز، وذلك بسبب شدة الضغط الحاصل على الأذن.

إن العالم الرقمي هو رقعةٌ شاسعةٌ قد يتعرض الأطفال لعددٍ من المخاطر فيه مثل التنمر الالكتروني، إدمان التقنية، المحتويات غير اللائقة والعنف، التطرف، الاحتيال، وسرقة البيانات. وتكمن المشكلة في الطبيعة السريعة المستمرة في التطور للعالم الرقمي، وحيث تكون حوكمة الإنترنت وسياسات حماية الطفل بطيئةٌ في اللحاق بالركب مما يجعلها غير فعالةٍ.

الواقع، قد يكون هذا السؤال هو السؤال الخطأ الذي لايجب طرحه، بعد أن أصبحت التكنولوجيا لا غنى عنها بالفعل في حياة أطفالنا اليومية، وبعد أن صارت القدرة على الوصول إلى العالم الرقمي أحد حقوقهم الأساسية في القرن الحادي والعشرين.

بدلاً من أن نشعر بالشلل والعجز بسبب المعضلة التي يطرحها السؤال أعلاه، يجب أن نستلهم الجانب الإيجابي المحتمل للتكنولوجيا في حياة الأطفال ،  لذلك يصبح السؤال الأكثر أهمية هو أن نسأل كيف نتحمل ، كدول ، مسؤولية جماعية لبناء “نظام إيكولوجي رقمي أخلاقي” يتمتع فيه كل طفل بالحماية والحقوق الأساسية وتكافؤ الفرص في الازدهار في مستقبله الرقمي من خلال العمل مع جميع أصحاب المصلحة – بما في ذلك الآباء والمعلمين والمجتمعات وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحكومات. إنه يقترح حلولاً عملية لتمكين أطفالنا من ذوي المهارات الرقمية لتخفيف المخاطر وزيادة فرص الاستفادة، والفطنة والذكاء اثناء التعامل مع تلك التكنولوجيا .

إن فصل الأطفال عن العالم الرقمي بسبب الخوف من مخاطر الإنترنت ليس خيارًا، حيث تعد القدرة على الوصول إلى العالم الرقمي أحد الحقوق الأساسية للأطفال في القرن الحادي والعشرين. من المهم بنفس القدر بالنسبة لنا أن نتوقع زيادة الاتجاه التكنولوجي في حياة الأطفال، وان التعليم هو الحل، حيث  يحتاج أطفالنا إلى أن يكونوا مجهزين بالمهارات المناسبة لهم ليصبحوا قادرين على مواجهة مخاطر الإنترنت وزيادة فرصهم في العالم الرقمي.

ليس هناك شك في أن التكنولوجيا يمكن أن تخلق فوائد كبيرة للأطفال في العديد من المجالات التي تتراوح بين التعليم وإمكانية العمل في المستقبل إلى الترفيه. على سبيل المثال ، يوضح تقرير حديث لليونيسيف بعنوان “أطفال في عالم رقمي” الفوائد المحتملة للتكنولوجيا لتمكين الأطفال في المناطق النائية ومخيمات اللاجئين من خلال تشجيع التعاون وتبادل المعلومات والاتصال الاجتماعي الجديد 3. كما أبرز كيف يمكن للأطفال تطوير مهارات مرتبطة بالوظيفة عندما يتعلمون القراءة والكتابة والمشاركة عبر الإنترنت. علاوة على ذلك ، يمكن أن تعزز التكنولوجيا التفكير الريادي ، وتساعد الأطفال على تطوير معايير المواطنة عندما يشاركون في النشاط الاجتماعي من خلال المنصات الرقمية ، على هذا النحو ، يحتاج الأطفال إلى امتلاك قدرات ومهارات  Digital Intelligence وهي مجموعة شاملة من جميع المهارات الرقمية التي يحتاجها الأطفال لتزدهر في مستقبلهم الرقمي.

فنحن حاجة إلى برامج وإجراءات عديدة وواضحة لتمكينهم من الحياة بكفاءة وأمان في العصر الرقمي ، وتمكننا من إعداد وتنشئة مواطن رقمي يستطيع أن يتعامل باحترافية مع الوسائل التقنية المتعددة ، ويعي المخاطر التي قد يتعرض لها ، ويدرك أيضاً ماله وما عليه ويستطيع أن يحمي بيناته وخصوصياته ويؤمن بحقوق الملكية الفكرية ، وتلك المهمة شاقة لا يمكن أن يلم بها الفرد بجهده الذاتي ، بل يحتاج إلى تربية متدرجة وفق المراحل العمرية ووفق الخصائص والسمات السلوكية وإلا لأصبحت تلك الخدمات وبالاً على المجتمع ، فالمخاطر في تزايد وقيم المجتمع في تذبذب والمتغيرات سريعة جداً ولا يمكن للجهود الفردية أن تواجه سلبياتها وتتكيف مع ايجابياتها، وهو ما يمكن أن يتم من خلال ما يطلق عليه مدخل التربية والمواطنة الرقمية،  بهدف مساعدة اطفالنا على الحياة فى العصر الرقمي من خلال التوجيه المخطط من قبل أولياء الأمور والمعلمين للاطفال  للاستخدام الفعلي للمصادر والتقنيات الرقمية بهدف تنمية المهارات والسلوكيات التي تمكنهم بأن يصبحوا مواطنين رقميين، يتفاعلون مع الآخرين عبر الاتصال فى ضوء معايير وقواعد واضحة.

وبكل تأكيد فإن المسؤولية كاملة تقع على كاهل الأسرة في ذلك، لأنها هي الأرض التي يترعرع عليها الطفل متعلما منها وبها أبجديات الحياة، مستمدا منها قيمة وأسس ومفاهيم تعاملاته، ولهذا وجب على هذه الأسرة أن تضع استراتيجية لتحد من تدفق سلبيات هذه البرامج التي انفجرت في المجتمع وتنشئتهم تنشئة صحيحة تحصنهم من الآفات والسلبيات التي تنقلها، ووضع محددات للتعامل مع هذه الوسائل وضبط استخدامها من حيث الوقت والنوع بما يتناسب مع العمر والشخصية والوسيلة، ومعرفة شكل المعروض وأنماطه وسلوكياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى