أولويات الراهن الفلسطيني في ظل فوز بايدن

يونس العموري | فلسطين

ما بين الكلام الممنوع وذاك المُعلن وممارسة فن صناعة الكلام تكمن الكثير من الحقائق، وما بين الفعل وردة الفعل والمبادرة للفعل تكمن الكثير من الدلالات، وما بين صناعة الممكن سياسيا وممارسة القناعات الفكرية تكبر المسافات.

وأن تكون في قمة الهرم السلطوي شيء، وأن تمارس الفعل المبني على الأسس الأيدولوجية والتي من المفترض بها أن تشكل القاعدة الأساسية لتداعيات الفعل السياسي وبالتالي ممارسة الحكم، شيء آخر.
ورسم خارطة الطريق التي يجب السير بها وسط كل التناقضات المعاشة في الظرف الراهن لا شك أنه أمر معقد، يتطلب الكثير من الحنكة والدهاء والتي ربما تتناقض وصياغة المواقف المبدئية، والعبور إلى سدة الحكم السياسي في ظل موازيين القوى السائدة على المستوى الإقليمي والمتغيرات الدولية ، وبالتالي الدولي يحتم على الحاكم القبول بقوانين اللعبة وأصولها، وبالتالي لا مناص من اللعب السياسي وفقا لقواعد هذه اللعبة، إلا ما يجب أن يكون من تحد لقوانين هذا المنطق المعوج أصلا الذي يحكم دهاليز فن صناعة القرارات، والتأثير فيها لتُطوع وفقا لمسار الفعل الشعبي الجماهيري ومتطلباته أو على الأقل وفقا لممارسة القناعات المبنية على قاعدة الإيمان المطلق بحتمية الصواب بمعايير العدالة وحق الشعوب في تقرير المصير. لكن الخضوع لمنطق المساومة حتى يتم تحقيق بعض المكاسب التي من الممكن تسميتها بالتنظيمية الضيقة فهذا ما لا يستوي وحقائق المنطق العام ذاته.
من هنا فإن المتابع للوقائع الفلسطينية ومسار الرسم البياني للمواقف السياسية التي تعكس حقائق الموقف يلاحظ أن ثمة تخبطا في هذا الأداء نتيجة غياب الاستراتيجية السياسية الفلسطينية المتفق عليها أو على الأقل المتوافق عليها، والتي تشكل حالة إجماعية ولو بالشكل النسبي لمتطلبات الواقع الفلسطيني وهو الأمر الملموس والواضح في هذه الأيام، الأمر الذي ينعكس بشكل حدي على الأداء السياسي العام وبالتالي ينزع عنصر التأثير بمسار العملية السياسية برمتها، وهو الملاحظ بالظرف الراهن.
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى بالتعاطي العملي وتطورات العملية التسووية من قبل الجانب الفلسطيني سواء أكان الرسمي أو ذاك المُؤثر بصناعة المواقف السياسية، وفي هذا السياق لا بد من تقدير الموقف حاليا حيث الهرولة الواضحة المعالم من قبل الحركة الوطنية على مختلف وتنوع مشاربها وتخندقتاتها المحورية وتظل هذه السياسات رهينة لنتائج العملية الانتخابية الامريكية وتلك الاسرائيلية، الأمر الذي يعني أن القيادة الفلسطينية الرسمية إنما تتعامل مع تطورات العملية السياسية وفقا لمتغيرات الحكومات على المستوى الإقليمي والدولي وهو ما اظهرته الامور على الأقل حتى الأن في تباين التعاطي الفلسطيني مع نتائج الانتخابات الأمريكية والتي كانت قد مهدت له من خلال الاعلان عن عقد المؤتمر الدولي للسلام على قاعدة ما يسمى بالشرعية الدولية والتي من خلالها ستكون العودة للمفاوضات المباشرة ما بين تل أبيب ورام الله الأمر الذي سيعيدنا إلى المربع الاول أي ما قبل ثلاثين عاما حينما انعقد مؤتمر مدريد للسلام والذي على أساسه انطلقت المفاوضات الثنائية المباشرة ومن ثم اتفاقية أوسلو.
إن الحركة الوطنية وهي العاجزة حتى اللحظة عن الالتزام بقوانين المرحلة (مرحلة التحرر الوطني  إنما تعبر إلى نادي اللعبة السياسية بكل أشكالها ومحاورها وتداعياتها وذلك من خلال الرهان على المتغيرات السياسية الانتخابية في العالم إنما يعكس حجم وطبيعة الازمة التي تعاني منها مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها حيث إن موازيين القوى الدولية لا تتأثر بالشكل الجوهري بتلك المتغيرات الانتخابية على اعتبار أن المنظومة الحاكمة في أمريكا على سبيل المثال لها منطلقاتها الاستراتيجية في التعاطي والقضايا العالمية والشرق اوسطية على قاعدة المصالح البراغماتية لأمريكا وهو على الأقل ما خبرناه من خلال التعاطي وإدارات البيت الأبيض المتعاقبة وفلسفتها تجاه القضية الفلسطينية عموما.

أن الحركة الوطنية وتحديدا قطبا مكونات هذه الحركة (فتح وحماس) وهي تعاود العبور إلى نادي اللعبة السياسية من جديد على أساس المتغير في إدارة البيت الابيض وذلك من خلال التعاطي الإيجابي مع المطروح من قبل الإدارة الجديدة والتمني عليها ومناشدتها وفي بعض الاحيان محاولة الاستجداء غير المسبوق راجع إلى الشعور بضرورة تلبية احتياجات رعاة إعادة ترتيب المنطقة وفقا لقواعد هؤلاء الرعاة (إدارة البيت الابيض الجديدة)، الأمر الذي يعني القبول من حيث المبدأ بالعناوين الكبيرة للمسار السياسي الراهن والمتمثل بمغادرة مرحلة التحرر الوطني وقوانينها وبالتالي مغادرة محور المقاومة والممانعة في المنطقة (وهو ما نشهده على الاقل من قبل حماس) ، وإن كان هذا المحور قد أصابه الكثير من الشرذمة والتراجع، وهو ما يبدو جليا وواضحا في المشهد السياسي العام.

من الواضح أن الحركة الوطنية تعبر الآن مرحلة أعتقد أنها حاسمة في تاريخها، وبالتالي لها الكثير من التداعيات والإرهاصات على مختلف المستويات والصعد، ولعل أبرز هذه التداعيات تتجسد بتصدع الموقف الداخلي لمكوناتها وعدم انجاز التوافق والاتفاق بحدوده الدنيا بالرغم بكل ما أُشيع من أجواء تفاؤلية بهذا الصدد ، فلم يعد هناك رأي واحد موحد بالأطر الوطنية وحتى تلك التنظيمية الفصائلية يعكس موقفا سياسيا واحدا تجاه مختلف مجريات العملية السياسية.

ومن الواضح أن القيادة الفلسطينية الرسمية إنما تريد العودة إلى النادي الأمريكي بإدارته الجديدة بعد ان شهدت العلاقات الفلسطينية الأميركية نوعا من أنواع المقاطعة جراء سياسات ترامب تجاه مسألة الصراع العربي الإسرائيلي عموما وانحيازه الكامل لإدارة نتياهو. واذ تأتي محاولة القيادة الفلسطينية لفتح خطوط جديدة مع الإدارة الامريكية الجديدة تبرز العديد من الأسئلة لعل أهمها ما هو مصير جهود المصالحة الفلسطينية؟ وما مصيرالعملية الانتخابية التشريعية والرئاسية؟ وما هو المسار السياسي التسووي وعلى أي الأسس ستكون انطلاقته في عهد إدارة بايدن؟ وماذا بخصوص صفقة القرن وتداعياتها على المنطقة وعلى الساحة الفلسطينية وما مدى التزام بايدن بها؟

كل هذه التساؤلات بانتظار إجابات في ظل تغير حاكم البيت الأبيض، وهنا نجدنا مرة أخرى أمام تحديد الألويات وفقا لردات الفعل التي بلا شك بعيدة عن الاستراتيجية الفلسطينية المفقودة بالأساس.

إن التطورات السياسية الجارية على الساحة الفلسطينة بالظرف الراهن والمتغيرات الحاصلة على المشهد الإقليمي قد أظهرت حجم التباينات والخلافات وتصدع المواقف داخل أقطاب الحركة الوطنية، وأسهمت بتمظهر حدة الخلافات التي قد تأخذ الطابع الشخصي بين قيادات الحركة الوطنية وتلك التنظيمية في البيت الواحد، وقد تنعكس وتتمظهر على شكل تيارات لها اجتهاداتها، وبالتالي رؤيتها المتناقضة مع الرؤية على الأقل الرسمية حتى اللحظة الراهنة.

وحيث إن البيت الفلسطيني الرسمي ما زال مهلهلا، وبالتالي فإن هذا العنوان أصبح عرضة للشرذمة وبات لا يعبر عن الذات الجمعية الجماعية للمُراد فلسطينيا، الأمر الذي أصبح فيه عدم وضوح رؤية فعلية بحقيقة الموقف الفلسطيني المُعبر عنه من خلال المؤسسة الفلسطينية الرسمية حيث صار السجال والسجال المضاد والاجتهاد والاجتهاد المضاد هو المعبر عن الموقف السياسي الفلسطيني في ظل الخربشة والضياع للموقف الفلسطيني المؤسساتي الرسمي.

أعتقد أن فلسطين لا بد لها من إعادة ترتيب ذاتها على أساس صياغة مفاهيم قوانين التحرر الوطني على اعتبار أن فلسطين ما زالت تحت الاحتلال وأن الحركة الوطنية أمامها مهمة واحدة فقط تتمثل بضرورة العمل على إنجاز العمل النضالي التحرري بهدف التحرير، بصرف النظر عن المتغيرات في سدة الحكم الامريكي او الاسرائيلي او المتغيرات الإقليمية، وإذا كان ترامب قد سقط فلابد من الادراك ان سقوطه قد جاء كنتيجة فعليه لسياساتها الداخلية اساسا ولا بد لنا من أن نغادر منصة التغريدات والتصريحات التي تنم على أننا أسهمنا في إسقاط ترامب ولا بد من أن نعي أن بايدن لن يأتي بالجديد وكل ما سيلجأ إليه إنما يتمثل في بعض الفتات مثل اعادة فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينيية في واشنطن وكل ما سيقوله وقد قاله بايدن إنه مع المفاوضات الثنائية المباشرة على اساس حل الدولتين.

إذن لا بد لنا من إعادة رسم معادلة ترتيب الواقع الفلسطيني الراهن والمضي قدما في انجاز ملف المصالحة وتنظيم العملية الانتخابية التي يشكك الكثيرين في إمكانية إجرائها في ظل فوز بايدن وضبابية سياساته تجاه القضية الفلسطينية كما هو متوقع والتي لن تكون خارجة عن استراتيجية الاحتضان الأمريكي للفهم الإسرائيلي للعملية التسووية السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى