قراءة تحليلية في نص ( العمر المجزوء )لشاعر مكي الغانمي

هشام صيام / مصر

أتنضج ُ أحلامكَ غداً ..
أم بعدَ حين ..
في عمركَ المجزوء من زمنٍ حزين.. ؟
أم تهاوتْ في موسم القحط البغيض ..
ومتاهة تكتظ بالأنين
وهمس لا يغادر
* * *
مهما يكن فأنكَ لن تعومَ
في بحور ..
صيوف بهتانهم القادمات
عبر الدهور
ومدائن من دخان صديء ..
بمتاريس يرسمون ..
على صفائح الملحِ ..
ومقاطع الافيون
فيفترون ..
* * *
لنْ تُنسجَ في اليافطاتْ ..
قبل .. او بعد الممات ..
لن تودعَ مدائنكَ التي هاجرتْ ..
ستلتصق بالجدران وشماً ..
أو رسماً ..
أو ربما وهماً
لنرى ..
من ينكسُ في المسار
من يفقدُ أررجوحة المدار ..
من يتقنُ لعبة الاجترار
مهزوماً مكابر
* * *
وأنتَ تفتقدُ فسحة..
لثقبٍ في الجدار
لكوةٍ في خيمة الإنتظار
ستمر ُ بهم مرور الغدير
مرور الشحارير
مرور المسافر ..
مع أنكَ لن تُغادر
مكي الغانم

القراءة
………………………….

عكاز سؤال عظيم المثول
حملته بداية الرشفات في فنجان نزيز حبر جدارية العمر المختلس من رحم مُزنات الشجن مر المذاق …..
……..
.. ووضعتنا على مدارات هذا التصوير الذي حمل المعنوي ـ أحلام ـ في تجسيدية نباتية ـ وقد يهمس البعض لماذا لا تكون تجسيدية تعني نضج الطعام وهو أيضا شيء يحمل الخير ولكننا ها هنا أمام المعنى الأسمى والمتوافق ولفظ ” الإحلام ” التي تعني غرسة ينتظرها الحالم وحاديه الرجاء أن تينع ثمارها وليس هكذا فقط فقد تم وضع الثمر الرائع المبهج للعين في معية انتظار النضج قبل أن يقطف في تعبير يحيطه رحم التصوير يعني تمام الاكتمال وليس مجرد حرث الحلم ولكن مع نتائجه التي تعني عين يقين التحقق …
….. تلك هي روعة الصورة التي اكتملت مع انتقاء اللفظة المناسبة الحادية للدهشة …
….. وبعد هذا العروج مع محطة عكاز السؤال …
…. وقبل تمام العبور تستوقفنا تلك الصورة التي حولت العمر كميقات زماني خاص إلى مقتطع تم قطفة من بين شمولية ناموس الزمان في تجسيد يضع ناسج الحرف من خلال حلقات العمر الخاصة كجزء لا يتجزأ من ناموس كوني يدور في فلكه في وحدة عامة تجعله في معية هذه الحياة بكل ما تحمله من معوقات وعاديات تحمل هذا الشجن ….
……..
.. نحن أيها السادة في محطة تحمل طريقة الأسئلة التي يقف المتلقي أمامها وكأنه في امتحان لا يملك حدود إجاباته فترف مثولها لم يمنح لواهب الحبر المخثر على وجنات السطور فكيف يفري فريه القارئ ….
…….
… فنجد مدى بصرنا يتعلق في أمداء متاهة خريفية تتساقط من شجيراتها الأحلام النافقة لتتوسد مضجعها في لحود مزارات الأماني وزفراتها ترافق اخر حروفها على شواهدها …
……

.. وفي انحناءة ودرب النص نتوقف وتعبير يتذيلها …
… ” مقاطع الأفيون ”
في حضورية متوازنة التوافق ما بين اللفظة كصفة والموصوف كواقع حياة يحمل رمزية هائلة العروج ….
….. فلفظ ” مقاطع ” يحمل رمزية فصول العمر ….
….. وايضا يحمل رمزية يؤكدها لفظ ” افيون ” وهي الكلمة فالمقطع في وضعية الأدب هو مجموعة من السطور التي تحمل رؤية وفكر ما ….
…… هنا إسقاط دامغ على تلك الرؤى التي تحاصر تلكَ الذات والتي هي جزء من الشعوب …..
….. لنصل معها لتلك الحالة من التجهيل والخواء التي تحيط بدفاتر حضور تلك اللحظة الزمانية التي نعاقرها …….
………
…. في تصوير منح دفاتر حضورنا صفة المغيب ووضع الأفيون في صورة تلك الأجندات الممنهجة التي تحيط بنا ونعاقرها في إبداع تصويري وتوافق تام مع الالفاظ والمعاني الخاصة بالرؤية المطروحة من أديبنا والتي تم الترميز لغيبوبة تصنعها الحروف التي تتشدق بها تلك الأبواق ليتحول الخطاب لأفيون يغيب تلك الشعوب ……
……
.. في ومضة تحمل منصات إقلاع تعني عدم الاكتراث من الراوي بكل ما يمكن أن تقوم به ذاته من محاولات في إسقاط على نشور اليأس من مرقده وإحاطته التامة بمجريات الأحداث ……
…….
… لتصل بنا للمنصة الثالثة لومضات النص ….
….. لنقف أمام ” لــن” كجدار صد يمنع مرور هذا البيان الإنساني الذي يسعى للخلود من خلال ترك الأثر …..
…….. وأصعب ما يعانيه المرء أن تمحو ريح الاغتراب أثره …
…. في تحوير مبهر لتلك اليافطات التي تحمل رمزية تاريخ هذا الكيان البشري فيما قبل الموت ثم رمزية شاهد اللحد الذي يشم به حدود اسمه بعد انسلال الروح من الجسد في صورة تم منحها تأشيرة التعبير الكامل لتعني تلاشي أثر وجوده في هذا الكون
في إسقاط على عدم مثول الأحلام في واقع حال العمر والتي قد تهمس لمن حولنا ولمن سيأتي بعدنا اننا مررنا من ها هنا ….
…….
… وفي تصوير تشكيلي
ـ وشما … رسما ـ يضع أبجدية حضوره موضع اختبار فهو مجرد وشم تم دقه دون أن يريد ـ وعندما يصبح المرء مجرد هذا الوشم فقد فقد صفة الفعل وأصبح مفعول به ـ أي أنه مسلوب الإرادة مجرد عروس ماريونت في مسرح الأحداث مجرد رسم لم تدب به الحياة ـ انعكاس لصورة ثابتة ـ والحياة هنا حلم متحرك يسعى له دون أن يناله في متاهة السراب …..
…….. لفقده عين المراوغة والمغامرة في اتخاذ القرار ـ أرجوحة المدار ـ في تلك المنمنة التي حملت ثالوث من المقدمات التي منحت الجو العام صفة السؤال الاعتراضي الذي لا يحمل الجالسين في مقاعد المسرح صكوك ترف الإجابة ولكنها عكاكيز استفهام بغرض اختلاس الانتباه لحلول النتيجة عقب ثالوث الإسئلة التي أطلقت من منصة اقلاع ” مــن ” لنستفيق من هذا التقوقع والتقهقر والانسحاب من الطريق ـ ينكس ـ في ماهية فعل مضارع يعني استمرار الحدث وعدم الانتهاء من الفعل …
….. ثم فقدان خيوط اللعبة مع معلومية فعل مضارع اخر يحمل نكهة السقوط المتكرر …
….. ثم فعل مضارع ثالث يمنح المنعوت السقوط بالضربة القاضية الفنية عبر المكوث في خيالات اليقظة يجتر من قنينة الماضي فلا يتقدم قيد أنملة ….
…….. ليعلن قاضي الحلبة انتهاء الجولات بالهزيمة ….
…… هنا مع حلول النتيجة نتوقف أمام نرجسية لا يملكها بتلك الكثافة سوى نبتة من تلك الشعوب العاطفية التي لا تحمل في مراسي شطوطها …
… بل لم تبرع سوى في ثلاثة أنواع من الأدب ما يهمنا منها الان هو شعر الفخر الذي يجعلها في معية الهزيمة والضياع نتشدق بكبرياء حاديته ظلال الماضي التليد الذي يلعن كل تلك الحروف التي لم تمنحه الحاضر والمستقبل الذي به يليق
نحن أمام ختام لتلك الومضة يحمل تراجيديا البارانويا الخاصة بالشخصية العربية التي تحيطها الهزائم المتتالية ولكنها تقف في كبرياء المنتصر تكابر ….
….. في ومضة شمولية تصم المجتمع ككل من خلال ما أسقط من نتيجة تحمل نهاية هذا الجزء منه ……
……..

ثم هذا الختام المدهش
الذي منح النص صفة الجنون الحكيم …..
…….
… ووضع فسحة النظر كثقب في جدار أو كوة في خيمة مما يعني تقلص الأمل ….
….. ولكنه الجنون الذي يصيب المرء فيرى وهو في ركن منزوي حياوات وأمجاد …..
….. ولكنها مجرد توهم
فينساب كالغدائر برغم العطش المرير ….
…. ويحلق كالعصافير برغم القفص والقيود …..
…….
… هي سفرة الخيال وأحلام اليقظة التي لا يمكن أن ينسل الحالم منها إلا ويجد نفسه رأسا على عقب اسفل فراش القهر
فيجد ذاته بعد لم تغادر هذا المقام ….
………
……
.. نص يحمل هجاء تام لواقع حال مجتمعي من خلال الولوج في ذاتية الخاص ليفتح النار على عموم المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى