هل ينفخ ترامب بوق الحرب أم طبل أجوف؟

توفيق شومان ـ مفكر وخبير سياسي لبناني

في هذه الآونة، يعلو منسوب الحديث عن حرب جارفة، قد يلجأ إليها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بحيث تكون منطقة الشرق الأوسط ميدانا لهذه الحرب التي يريدها ترامب توريطا لخصومه الديمقراطيين وتأسيسا لتفشيل إدارتهم المقبلة، كما يقال ويُروى .
في نقاش احتمال وقوع الحرب المفترضة من عدمها، قد يكون من المناسب أولا، إعادة استحضار خلاصات الحملات الإنتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة منذ عام 2008، وحتى عام 2016، أي تلك المرتبطة بالمرشح ثم الرئيس باراك أوباما ، وبالمرشح ثم الرئيس دونالد ترامب، ففي الحملتين الإنتخابيتين لأوباما الأول وأوباما الثاني، وفي الحملة الإنتخابية لترامب الأول والأخير، شكلت خطابات وشعارات إخراج القوات الأميركية من العراق وأفغانستان أو إعادة تموضعها وانتشارها، ولاحقا من سوريا، ركيزة الدعاية السياسية والإعلامية للطامحين بالوصول إلى البيت الأبيض.
معنى القول، إن ثمة متغيرا استراتيجيا في السياسات الأميركية حيال الشرق الأوسط، ومضمون هذا المتغير مثلما أوجزته مواقف عدة ومتعددة للرئيسين أوباما وترامب على مدى اثنتي عشر سنة، يقوم على خفض الأعباء والإلتزامات الأميركية في المنطقة، والحؤول دون مزيد من الإنخراط في أتون صراعاتها، وربما أكثر ما ظهرذلك عبرهذه المحطات والمفاصل:
ـ الإتفاق الكيميائي الأميركي ـ الروسي حول سوريا في الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر 2013، وقاعدته : نزع السلاح الكيميائي السوري مقابل إيقاف الهجوم الأميركي على سوريا.
ـ تأكيد الرئيس دونالد ترامب أنه غير نادم على عدم اغتيال الرئيس بشار الأسد، بعدما أخذه التفكير في لحظة ما إلى احتمال اغتياله وفقا لما قاله في حوار مع قناة “فوكس نيوز ” الأميركية في الخامس عشر من أيلول / سبتمبر 2020.
ـ أعلن الرئيس ترامب ( 22ـ 6 ـ 2019) أنه أوقف تنفيذ ضربة عسكرية لإيران بعدما أسقطت الأخيرة طائرة استطلاع أميركية مسيرة في منطقة الخليج في العشرين من حزيران/ يونيو 2019، فتلك الضربة بحسب رأيه، كانت ستخلف خسائر غير متناسبة في الأرواح تقدر بنحو 150 شخصا .
ـ إثر اغتيال الأميركيين للجنرال قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني/ يناير2020، أسرع الرئيس ترامب إلى تبني عملية الإغتيال ونفى في الوقت ذاته إعلان الحرب على إيران، وحين رد الإيرانيون بقصف قاعدتي “عين الأسد” وأربيل في الثامن من الشهر نفسه ، قال الرئيس ترامب إن إدارته لن تلجأ إلى مزيد من الأعمال العسكرية، ودعا القادة الإيرانيين إلى التفاوض مع الأميركيين بهدف إبرام صفقة جديدة حول البرنامج النووي الإيراني .
هل يفكر دونالد ترامب بالحرب قبيل لحيظات وداعه لمكتبه في البيت الأبيض؟
هذا السؤال يفرض العودة إلى قراءة في العقل السياسي لترامب، وتقليب أوراق مواقفه وتغريداته خلال السنوات الأربع الماضية، وفي ذاكرة هذه السنوات ما يرشد إلى سوية التحليلات وسلامة التوقعات ، وفي قائمة تلك المواقف التالي :
ـ 1: حروب الشرق الأوسط :
ـ في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2018 ، قال الرئيس دونالد ترامب : ” إن الولايات المتحدة لا تريد أن تكون شرطي الشرق الأوسط ، هل نريد أن نبقى هناك إلى الأبد؟ حان الوقت أخيرا لكي يقاتل الآخرون”.
ـ بتاريخ 9 ـ 10ـ 2019، قال الرئيس ترامب إن الولايات المتحدة أنفقت 8 تريليون دولار في حروبها الشرق أوسطية، بهدف القيام بدور الشرطي العالمي، فكانت النتيجة مقتل وجرح الآلاف من الجنود الأميركيين فيما ملايين الناس قُتلوا من الأطراف الأخرى، ولقد “حان الوقت للإنسحاب من هذه الحروب السخيفة “.
ـ أطلق الرئيس ترامب في العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر2019 سلسلة تغريدات قال فيها : ” لم تكن الولايات المتحدة مضطرة للذهاب إلى الشرق الأوسط، وقرار الذهاب إلى هناك كان أسوأ قرار على الإطلاق ، فالحروب في تلك المنطقة مستمرة منذ مئات السنين ، وهي حروب غبية لا نهاية لها، وقرار الحرب على العراق جاء بعد معلومات خاطئة عن أسلحة الدمار الشامل ” .
ـ في الثالث عشر من تشرين الثاني / نوفمبر2019 قال ترامب عبر تغريدة اخرى: ” أولئك الذين جرونا بشكل خاطئ إلى حروب الشرق الأوسط لا زالوا يضغطون علينا للقتال ، ومن الحكمة عدم التدخل في القتال بين الأكراد والأتراك، دعوهم ! إننا نراقب الوضع عن كثب ، حروب لا تنتهي ” .
ـ في خطابه عن “حال الاتحاد” أمام الكونغرس الأميركي ( 5 ـ 2 ـ 2020) ، أعلن ترامب أنه من أجل الحفاظ على حياة الأميركيين ” نعمل على إنهاء حروبنا في الشرق الأوسط “.
ـ بعدما أقال ترامب مستشاره لللأمن القومي جون بولتون في أيلول / سبتمبر 2019 ، أصدر بولتون كتاب ” الغرفة التي شهدت الأحداث ” فعلق ترامب ( 29 ـ 1ـ 2020) على إصدار الكتاب قائلا : ” بولتون كان يريد الإنتقال من حرب الى حرب ولو أصغيت إليه لدخلنا في أربع حروب ، وكنا الآن في الحرب العالمية السادسة “.
ـ 2 : سوريا :
منذ حملته الإنتخابية في عام 2016، كان لدونالد ترامب ، قراءة خاصة للأزمة السورية ، فهو غير “معجب ” بالرئيس بشار الأسد على ما قال غيرمرة ، إلا أن إسقاط الأنظمة ليست ” مهمة ” الولايات المتحدة ، وبدائل الأنظمة القائمة هي الفوضى ، مثلما اكد مرارا ، وإذا ما تم التغاضي عن قصف مطار الشعيرات في نيسان / ابريل 2017، وقصف مطاري دمشق والضمير ومركز البحوث العلمية في نيسان / ابريل 2018، وهما اعتداءان لا يرتقيان إلى حالة الحرب او ما يماثلها ، فإن مواقف ترامب من الأزمة السورية ، يمكن إجمالها بالآتي:
ـ في حوار (27ـ 3ـ 2016) أجرته معه صحيفة ” نيويورك تايمز” قال المرشح الرئاسي دونالد ترامب: ” إن التحدي الكبير في سوريا هو تنظيم داعش ، وليس الرئيس الأسد ” ، وفي تشرين الأول / اكتوبر 2016، قال ترامب لصحيفة ” الغارديان” البريطانية إن التدخل في الأزمة السورية له عواقب ضارة ، ” ولو سلكنا طريق هيلاري كلينتون فسينتهي بنا الأمر إلى حرب عالمية ثالثة ، فالحرب في سوريا تعني حربا مع روسيا وإيران ” .
ـ بتاريخ 31 آذار/ مارس 2017، نقل مسؤولون في البيت الأبيض عن الرئيس ترامب قوله : ” إن رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة ليس من أولويات الإدارة الأميركية ، وهي ستعمل على حل سياسي طويل الأمد للأزمة السورية “.
ـ في معرض دفاعه عن قرار الإنسحاب من سوريا (20 ـ12ـ 2018) تساءل دونالد ترامب : “هل تريد الولايات المتحدة أن تكون شرطي الشرق الأوسط؟.
ـ أعلن ترامب (23 ـ12ـ 2018)، إنه ” تحدث مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بشأن سوريا ، و ” ناقشنا قضية داعش وانسحاب القوات الأميركية البطيء والمنسق من المنطقة “.
ـ كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب (2 ـ1ـ 2019) عزمه على سحب قواته من سوريا التي وصفها بأنها عبارة عن ” رمل وموت “.
ـ كشف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو( 14 ـ 8 ـ 2020) ، إن الرئيس ترامب أرسل إلى نظيره الأسد رسالة يقترح فيها فتح حوار مباشر حول الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس”،(لاحقا بعث البيت الأبيض رسالة بالمعنى ذاته عبر المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم ).
ـ 3: إيران :
منذ عام 1979، والعلاقات الإيرانية ـ الأميركية تقيم على أحزمة من التوتر والإضطراب، وإذ شهدت العقود الأربع الماضية انفجار العديد من الصواعق الكامنة والنائمة، إلا أن أيا منها لم ينذرانفجاره بإحتمال ذهاب الطرفين إلى مواجهة مفتوحة .
وتؤشر أزمة الرهائن الأميركيين في إيران بين عامي 1979 ـ 1980، و” حرب ناقلات النفط ” في منتصف ثمانينيات القرن العشرين وإسقاط الأميركيين لطائرة مدنية إيرانية عام 1988(290 قتيلا)، و”حرب الطائرات المسيرة” في عام 2019، واغتيال الجنرال سليماني في مطلع السنة الجارية وما أعقبه من قصف إيراني لقاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق ، إلى أن تداعيات انفجار الصواعق قابلة للإحتواء مثلما أظهرت مراحل ما بعدها ، وكل ذلك يفسح المجال أمام القول بأن الأميركيين والإيرانيين يعملون وفقا لـ “استراتيجية إدارة الأزمات”، وليس تفجيرها ، وهو أمربدا واضحا مع الرئيس باراك اوباما من خلال الإتفاق النووي بين إيران و “مجموعة 5+1″، ولم يخرج الرئيس دونالد ترامب عن ثابتة “إدارة الأزمات “، فعلى الرغم انسحابه من الإتفاق المذكور آنفا في شهر أيار / مايو 2018، فإنه تحاشى مرارا وتكرارا الحديث عن حرب محتملة مع إيران ، وفي جعبة هذه المواقف :
ـ في ذروة الغليان الذي شهدته منطقة الخليج ( تفجير ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي ) في شهر أيار / مايو 2019 ، نشرت صحيفة ” نيويورك تايمز” تقريرا بتاريخ 16 ـ 5 ـ 2019 ورد فيه أن الرئيس دونالد ترامب أبلغ وزير الدفاع بالوكالة ، باتريك شاناهان ، بعدم رغبته بالصدام العسكري مع الإيرانيين ، وأنه لا يريد خوض حرب مع إيران ، بل هو يبحث عن حل دبلوماسي.
ـ وفي التاريخ نفسه ، نقلت صحيفة ” واشنطن بوست ” عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ترامب يفضل الحلول السياسية مع إيران إلا أن بعض مستشاريه يضغطون من أجل الحرب.
ـ أشارت شبكة ” سي إن إن ” التلفزيونية (17 ـ 5 ـ 2019) إلى أن ترامب يشكو من ضغوطات مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي دفع بالملف الإيراني إلى نقطة اقتربت من الصدام العسكري مع إيران وبدت فيها المواجهة خيارا أخيرا ، ولكن ترامب صارح المقربين منه بأن المواجهة مع الإيرانيين تطيح بالوعود التي أطلقها لناخبيه ، والقاضية بعدم الإنخراط في الصراعات المسلحة .
ـ في العشرين من حزيران / يونيو2019 قال دونالد ترامب إن الجيش الأميركي كان مستعدا وبجهوزية كاملة لضرب إيران ( بعد إسقاط طائرة مسيرة أميركية ) ، لكنه غير رأيه قبل عشر دقائق من الضربات المخطط لها ، وبعد يومين من تصريحه ذاك ، قال : ” لا أسعى إلى الحرب لكنها لو وقعت ستسبب دمارا ماحقا لم يره الزعماء الإيرانيون قبل ذلك “.
ـ بعدما تعرضت منشآت “آرامكو” في منطقتي بقيق وخريص السعوديتين لقصف صاروخي في شهر أيلول / سبتمبر 2019 ، رجح ترامب وقوف إيران وراء الهجمات الصاروخية ، إلا أنه أكد قائلا (17 ـ 9 ـ 2019 ) : ” لا أريد حربا مع إيران ” .
ـ خلال اجتماعه مع ممثلي الجالية اليهودية ( 28 ـ 9 ـ 2019) بمناسبة رأس السنة العبرية قال ترامب : ” الولايات المتحدة ستستمر في موقفها الحازم تجاه إيران لكنها لا تتطلع إلى الحرب ، وندعوها إلى بحث القضايا العالقة “.
ـ في حوار ( 10 ـ 10 ـ 2019) مع قناة “ان.بي.سي نيوز” الأميركية ، أكد دونالد ترامب عدم سعيه إلى الحرب مع إيران ، ” وإذا وقعت الحرب ستكون الحصيلة إبادة وأنا لا أتطلع إلى ذلك “.
ـ حين اقتحم متظاهرون عراقيون السفارة الأميركية في بغداد في آواخر العام 2019 ، رد ترامب ( 1ـ 1ـ 2020) على سؤال يحتمل وقوع الحرب مع ايران فأجاب : ” لا أرى حربا ستقع ، أنا أحب السلام “.
ـ بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، استعجل ترامب إطلاق تغريديتن ، في الأولى ( 4ـ 1ـ 2020) قال: ” لا نريد تغيير النظام الإيراني ومنعنا نشوب حرب”، وفي الثانية 5( ـ 1ـ 2020): “سنضرب إيران بأسلحتنا الجديدة ـ الجميلة إذا هاجمتنا”، وحين هاجمت إيران قاعدتين عسكريتين أميركيتين في العراق ردا على اغتيال سليماني، جزم ترامب بأن الولايات المتحدة الأميركية “لن تلجأ إلى مزيد من الأعمال العسكرية”.
من بداهات القول وفي خاتمته، إن الحديث عن حرب أميركية محتملة في الشرق الأوسط ، يخرج عن السياق العام لمواقف الرئيس دونالد ترامب، فتلك المواقف توجز انماط تفكيره وتعكس عقيدة سياسية أميركية متبلورة منذ سنوات عدة وخلاصتها خفض الإنخراط في صراعات المنطقة إذا ابتعدت عن تحدين اثنين: أمن إسرائيل وأمن النفط، فيما التحدي الأميركي الثقيل والخطير، ليس في الشرق الأوسط، بل في آسيا، وفي الصين تحديدا .
هل يجن ترامب ف “يخترع” حربا في الشرق الأوسط؟
الجواب على ذلك، يقع في خارج المنطق ، وفي خارج الحسابات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى