الغربة…

الغربة…
……
ونستعذب الأرض التي لا هوا بها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن….
هكذا قالوا.
وإذا كانت النفس إلى وطنها مشتاقة.. وإلى مسقط راسها تواقة… فإن هذا التَوْق وذلك الاشتياق؛ يستحيلان في لجة البعد- عند لحظة ما – إلي أسر وقسر وقفر وفقر وهلاك..
بل إلى أغلال تُصَفِّد حواسك حيثما وليت شطر وجهك، بعيدا عن منبتك، نائيا عن مدرج صِباك..
عند هذا الشعور المرهق المُوخِز؛ تُختزل كل ألوان الحياة في عينيك إ فتصير لونا واحدا، رماديا، .يَكِلُّ دونه وصفه الوصفُ ، ويَقْصُر عن إدراك كنهه التناولُ..
تميل استقامة كل الأشياء الجميلة في منظر العين..
تعيش أيامك كلها كأنك في غَلَس، لا ينتمي إلى صبح زاهر يتنفس، فترقى صَعِدا..
ولا إلى ليل داكن يتمدد، فتهمد أبدا..

نعم، 
الغربة كلها كربة..
وإن حلَت واحلولت، ودنا قطافها، واطّرَدَ عذبُ ضفافِها..
فليس ثمة محل قابل في داخلك يحسن تناول الجمال الغريب، ويتماهى مع سطوة ما تراه من النعيم المقيم في غير أرضك..
ولكنها – رغم ذلك – تبقى ( الغربة) أداة الانكشاف الأكثر حِدة في النظر، لرؤية الأشياء على حقيقتها، دون أن يرهق صفاءها ظلٌّ مشوش، او غَبَش مقصود..

اغتربت ٢٢ عاما؛ نصفها أسر وقسر وهلاك..

فلا ينبئكَ مثل خبير … 
وإذا كانت الثواء في الأهل، والبقاء في الوطن؛ هما مما يُتَعَلل بهما عند حلول نقمة وبيلة، او اجتياج نائبة نزيلة، . فإن انعدامها مما يزيد القلب لوعة، والنفس حسرة وأسى ..
وإلّا،…. فـ بِمَ التعلل؟!
بم التعلل لا أهل ولا وطن…

فما عُرفت حقيقة كثير من الأشياء، الا في ردهات الغربة، وأروقة السراب هناك..
هناك… كان الإنسكاب لكل شئ..
للأماني والاغاني والتهاني والمعانى والآمال والآجال والآلام والأقسام، والحرمان والوجدان..
غير أن اجترار ما كان من ذكرى؛ هو خبز الحياة هناك..
خبز جاف مر.. لا يلطف من مرار طعمه، إلا مشهد لذيذ غاف على ناصية حلم مؤجل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى