سنوات الحب والدموع

هدى حجاجي | مصر

قد لا نعود أحياناً ..

حين لا ندرك حقيقة الأشياء في المراحل الأولى من عمرنا، يندفع بنا قطار الحماس بجنون نحو أحلام ترسمنا، معتقدين بكل سذاجة أننا نحن من رسمناها ..!
الشمس تشرق وتغرب والقمر يستدير ويتضاءل …………. وأنت كما أنت سيدي
الناس في مدينتي يعرفون وقت الضيق فإذا ذهب عنه تنكر له وأدار ظهره..لقد كان سعيدا بتخبطاتي.. سعيدا بغيابي .. سعيدا بألمي .. سعيدا بهذا الكم الهائل من الخراب الذي أوجده بداخلي..بهذا الكم الهائل من العذاب الذي حل بقلبي…عبثا تحاول أن تستعيد ذاكرتها عن الصمت .. عن الكلام .. كانت في صراع طويل ما بين نداء القلب ونداء العقل …فهل تستجيب لنداء العاطفة أم يغلب داعي العقل والمنطق ؟
لقد كانت محاكمة صارمة وقاسية..محاكمة أقامتها بدعوة منها في ساحة المحكمة وكان القاضي يسمع لها بكل اهتمام وشغف..تصارعت فيها المبادئ والمثل واشتد فيها النضال بين نوازع العاطفة ودواعي العقل وموجبات القانون … وكثرت الاتهامات فهل يسدل الستار على مأساة إمرأة ظلت تحارب من أجل الحب على مدى عشرين عاما ..من أجل شيء وهمي ..
ربما كنت أتخيل أمامي خطواته الممشوقة ..التي لم أرها من قبل إلا من خلال خيالاتي وصورة تربعت على عرش ذاكرتي من خلال حديثي معه عبر الصحف والمجلات وصفحات التواصل الإجتماعي ………
لكن هذا لا ينفي أنه صورة مكررة من رجل عشت معه خلال ربع قرن لا يزيد ولا ينقص عنه في شيء
وجهه الأسمر ..صوته الأجش وهو يلقي محاضراته كل هذا بات ثقل على ذاكرتي …سقط فنجان القهوة من يدي لمجرد ذكر اسمه ..انتفض جسمي وارتجف كنت أحسبها برودة الشتاء القادم بلاد من الغرب ..ترقرت الدموع في عيني …كدت أقع أرضا .. دار الشجون في رأسي ،أسندت يدي على حافة الكرسي كجذع شجرة تساقطت أوراقها الصفراء في موسم الخريف …..
هبت نسمات باردة تندي وجهي المحموم بالعذاب ، ذهبت ناحية الشباك المطل على النهر ..لمع النهر في عيني , انسابت بين شاطئيه فلك بأشرعة بيضاء .. حملت معها ريح الموج أغنيات عذبة دافئة أسمع صداها..غمرتني نشوة …تذكرت أيامنا الماضية فلم يعد لي غيرها .
تتراءى بقلبي أشياء جميلة وكأن عقلي توقف على صوته فور سماعه .. تنبه قلبي على حديث هامس ..غرد في رحابه كروان مسبح .
أسمع صوته يقول لي (عودي) (عودي لي حبيبتي) … نسيت معه بعض عذاباتي
تشبع صدري بأريج طيب امتد الشاطئ أمامي ببساط أخضر لا يكاد يخلو من عبق أيامنا .. من خطواتنا معا جنبا إلى جنب … على أرضية الحجرة تناثرت الذكريات الحبيبة والقاسية معا إلى قلبي عالما جديدا من الخيال الخصب ..إنه العالم الذي يبدع الوهم .
تداعت من خلاله الصور ..صورتك أنت .. وصورتي أنا.. وصورتنا معا … لم أنس صورتي داخل المخيم (داخلك)…إن صح التعبير وسط الضجيج والصراخ وهتاف الثورة …شردت قليلا أسترجع ذاكرتي صورة السيد صاحب العمل ورئيس الحزب الوطني .. إنه صاحب العمل وحامل خزائن الفقراء والمطحونين.. تذكرت نفسي.. ومصيري.. ومستقبلي الغامض المجهول ……. لا أستطيع أن أقول شيئًا! كنتَ مزيجًا من كلّ الأشياء إنها ساعة البحث عن طريقٍ آخر حيث أنتَ لم تبتسم أيّها المسيرُ في الطريق الذي يقترب من الحزن، و الموت و يبتعد عن كلّ شيء، عن ابتسامتك حاول أن لا تجدني.
حتي أبي كانت تثقله مرارة التساؤلات، فهو لم يحصل قط على إجابات كافية !
كان رأسه يشعر بهدوء و سكون مهيب، بمجرد خروجه منها عاد له الضجيج هل الضجيج في رأسه أم في الحياة ؟! أم في تلك المقبرة
أسترجع صورة ذلك الرجل الفحل مرة أخرى.. قوته .. جبروته وهو ينازل العداء السافر .. وصورة لرجل فقير يطحن رأسه كل يوم بالحديث عن علة ساقه التي ثقلت وأفقدته الحركة ومقولته التي لا تنفك عنه كل صباح .
كنت أتغاضى .. أو أمثّل ذلك لمسايرة الأيام ..!
كيف أعول عاجز او مشلول الحركة ؟
كيف أطعم من لا يستطيع جلب قوت يومه من الفقراء… حزينا بالأمهات الثكلى والأرامل النائحات الباكيات … والولدان الأيتام المقهورين .
أخبرني أيها الغائب من أنا ومن أنت ؟
نحن لا شيء _ لم أكن يوما عاجزا أو كسيحا، كنت أخوض النار وأجتاز المصاعب بنفس راضية.. ساقي التي عجزت عن حملي وعن الحركة كانت تقتحم جسور الموت …
أخبرني أيها اللاهث بحثا عني من أنا ؟
ومن أنت…؟
نحن كلمة أو حرف لمعنى الألم بين عشرات السطور.. لقد حاولت مرارا وتكرارا فهم معني السلام … الحرب … الحب …. الأمل … ولكن حتى الآن لم نصل .
بكت و هي تكتب رسالتها للعالم ، اختلطت دموعها بمداد حروفها، صانعةً كلمات مشوهة و جملاً غير مفهومة .. شيء ما يشبه احساسها تماما !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى