في منتصف الروح..  قصة قصيرة

الكاتبة هدى حجاجي | مصر 

وسبحت الكلمات في رقصة ماجنة .. مرت علي الأيام كسنوات قضيتها في انتظار يائس، أذهب يوميا للشاطئ أناجي البحر وأشتكي له، قالت: هذه أول مرة أزورها . الاسكندرية مدينة راقية جدا .. قال: في حماس مكان لقيانا كما هو، لم تطأه أقدام أخرى.

قالت في انفعال باد : كل شيء فيها متجدد ورائع . شاب صوته نبرة شاحبة قائلا : وفي الأمسيات الدافئة أنظر للقمر وأستحضر لذهني ملامحك المشرقة كعهدي بها . وزحفت يده تلامس أناملها ..سبحت يدها بارتعاشة خفيفة ..أطل في عينيها صمت ،صمت ،قاطعته هي حدة الصمت المتبادل وأكملت : رأيت هنا أشياء تخطف البصر ،ثم أطرقت برأسها : نحن موتى أحياء ، وأحياء موتى . استطرد ولم تفارقه حماسته : كتبت عنك قصيدة جديدة .. هل تسمعين ..؟!

قالت بنفس حماستها : الأسعار هناك سياحية ، أتفه الأشياء تتطلب مالا كثيرا، أقل فستان يساوي ضعف مرتبك شهريا . وجم وجعل يتأملها أكثر من أي وقت مضى ، فهو الذي يحفظ ملامحها عن ظهر قلب كان بحاجة لوقت آخر ليعرفها بدرجة كافية.. محتجبة كلها وراء ستار سميك لكأنما يراها ويتحدث إليها لأول مرة، ولحظتها فقط تلاشت لهفة الشهور الماضية، أغلق فمه واسترسلت هي: استفاضت في وصف شكل الفلل هناك.. طريقة بنائها ورسمها تكلمت عن العريس الغني جار قريبتها ، قارب على الخمسين لكنه مليء بالشباب والأناقة .. رآها غير مرة في أثناء زياراته المتكررة والمتعمدة لمنزل قريبتها .. فالباب في الباب والجيرة تشفع ..وحكت له أيضا عن مرض أبيها فجأة ودخوله إحدى المستشفيات لفترة طويلة وعلاجه الذي تكلف الكثير . المسافة القصيرة من بيتهم لبيتها امتدت آلاف الكليو مترات عبر مائدة صغيرة تحمل كأسا مملوءة بعصير الفروالة وكوب شاي فحمي اللون .. في حلقه له نفس مرارة اللحظة التالية والمتوقعة.

 متى انطفأ هذا البريق السافر في عينيها المشتعل برغبة التحدي والإصرار لتولد مكانه نظرة زائغة ونهمة إلى كل ما حولها ..؟!! كان يراقب شفتيها وشيء ما داخله ،بالتحديد في الجانب الأيسر من صدره راح يتجمد رويدا رويدا في جيب سترته الجلدية ما تزال ممسكة بورقة كبيرة امتلأت بسطور شعر أجوف ،تشتد قبضة الأصابع عليها تشطرها نصفين ، تعاود اليد قبضتها بنفس القوة فتحيلها لكرة صغيرة منبجعة ، تتهدم أبيات القصيدة وترتخي الأصابع يائسة ، نظرت في ساعتها وقالت : تأخرت .. سأذهب الآن .. متأبيا غير نادم أفسح لها الطريق وود لو سألها فقط عن اسم تسريحتها الجديدة قبل أن تمضي، أحس بالبرودة تسري في خلاياه تنتشر فوق الطوار حيث يقف متجمدا يتابع خطواتها المتعجلة، انحرفت إلى طريق غير الذي التقيا فيه، أفضى بها إلى هذه السيارة الفارهة.. خنزيرة سوداء.. توقفت أمامها فتح دخلت الجارية الحسناء مكبلة بخيوط حريرية رقيقة، جلست طائعة ومستريحة بجوار السيد الأنيق، انطلقت السيارة.. (ليس أكثر من نقطة حبر سقطت من قلمك وغمقت في أحد سطور الذاكرة) لم يبق غير عيون لا ترد ورغم ذلك ستبقي الصور الأولى لها رائقة وجميلة لعينيك لأنها ارتبطت في مرحلة من حياتك … كرمز باكتشافك الصادق، ولأن ذكرياتك تحوي الحلو والمر مناصفة فلا يجوز لك أن ترفضها أو تتناساها . عاد يتأمل البحر والأفق الغائم أمامه وقد صار كجسد دام ، استغرقه المنظر وزحف بالكآبة على نفسه لون احتراق الشمس عند خط الأفق واقتراب الليل إلى الأرض بطيئا وثقيلا، أدار عينيه في المكان حوله ، خلا من المصطافين باستثناء قلة نتاثرت على الشاطئ …يسيرون الهويني (مال الشاطئ أما تزال تحتفظ بآثار أقدامكما المتجاورة أم انمحت آثار الوهم اللذيد ..؟!) ، الوهم في بداية الأشياء ينتصر ، حينها بدأت مكاشفة البحر بالأحلام الخبيثة ، البحر صديق كتوم ،يأخذ الأسرار للقاع ، يرسل آذانه محارا إلى الشطآن تسترق السمع وتعود إليه بالحكايا مواويل ليل وأغان للعشق وقصائد حب لم تكتمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى