مَتَاهَةٌ مِن زُجَاج
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
سَأجِدُ بَعضَ أنفَاسِك
مازَالَت عَالِقَةً بَينَ نَصٍّ أَخيرٍ عَن الوَدَاعِ
ومَوعِدِ فَتحِ الحَاجِزِ بَينَ ضفتَيِّ الحُزن …
وسَيُربِكُنِي هَذا الحُضورُ العَفوِي
وأنَا عِندَ هَاوِيَةِ الانتِظَارِ
أنتَظِرُ انفِرَاجَةً مُحتَمَلَةً
أو وَجهاً خَلفَ الزُّجَاجِ
يُشِيرُ بِيَدٍ مُرتَخِيَةٍ: عُد …
تِلكَ الحُجرَةُ الزُّجَاجِيَّةُ فِي مَتَاهَةِ الحَوَاجِز
تَختَصِرُ تَارِيخاً طَوِيلاً مِن الحِكَايَة …
أرَاهَا أحيَانَاً مُزدَحِمَةٌ بِكُلِّ أصدِقَائِي الغَائِبِين
وأحيَاناً خَاوِيَةً كَزِنزَانَة
وأحيَاناً أرَى فِيهَا دَبَّابَةً مَعطُوبَةً
وعَدَداً مِن جُنودٍ كَسَالَى …
أنفَاسُكَ مُرتَبِكُةٌ
كَيَدِي وأنَا أضغَطُ بِتَوَتُّر
علَى حَقِيبَتِي الجِلدِيَّةِ …
لا شَيءَ أُخفِيهِ سِوَى كُتبٍ لَم أُكمِل قِرَاءَتهَا
وبَعضٍ مِن مُلاحَظَاتٍ عَاجِلَةٍ
حَولَ المَدِينَة …
أُفَكِّرُ فِي الدَّبَابَةِ
وَوُجُوهِ أصدِقَائِي
ويَدِ مُجنَّدَةٍ سَتَرتَفِعُ بَعدَ قَلِيلٍ
بِإشَارَةِ عُد …
أو تَقَدَّم …
الانتِظَارُ هَاوِيَةُ العَالِقِين بَينَ المُفَاجَآت …
ولأَنَّنِي اعتَدُّتُ رِفقَةَ المَوتِ – الصُّدفَة
لَم تَعُد مُفاجَأَةٌ كَهَذِه تُثِيرُ حَنَقِي
بِقَدرِ مَا تُثِيرُ الغَثَيَانَ فِيَّ …
الغَثَيَان …
أتَذَكَّرُ رِوَايَةَ سَارتَر …
ويَومِيَّاتِ رُوكنتَان
المُوغِلَةِ فِي الضَّجَر …
ثُمَّ أُفَكِّرُ ثَانِيَةً فِي الخُرُوجِ مِن مَأزَقِ الوَقت …
أنفَاسُك تَسبِقُنِي إِلى سيَّارَةِ الأُجرَة
تَقودُنِي إِلى المقعَدِ الأَمَامِيِّ
إِلى جَانِبِ السَّائِق …
وقَبلَ أَن أُشِيرَ بِيَدِي إِلَى الطَّرِيق …
تَهمِسُ فِي أُذنِ السَّائِقِ
تَمهَّل فِي القِيَادَةِ
ثَمَّةَ تَفَاصِيل عِدَّة
قَد يَلتَقِطُها لِيَومِيَّاتٍ قَادِمَة …
لا أُفكِّرُ فِي الكِتَابَة …
أُريدُ وَقتاً خَالِياً مِن الضَّجَرِ
وغَثَيان رُوكِنتَان اليَومِي …
الطَّرِيقُ طَوِيلٌ بَينَ قَوَائِمِ الانتِظَار …
وَوُجُوهِ الجُنودِ المُتَعاقِبِ
فِي حُجرَاتِ الزُّجَاج …
عُد
تَقَدَّم …
لا تَصرِيحَ لَك …
لا مُوافَقَة قَد مَنحَها الجِنرَالُ للقَادِمِينَ مِن المَتَاهَة
نَحوَ صُوَرٍ مُشَتَّتَةٍ فِي الذَّاكِرَة …
مَمنُوع
لا تَعلِيمَات …
مُعَلَّقَةٌ تِلك المُفرَدَاتِ
كَمَعاطِفَ مُهتَرِئَةٍ فِي حُجُرَاتِ الجُنُودِ الخَلفِيَّةِ …
يَتَنَاوَبُون عَلَى ارتِدَائِهَا كُلَّ يَوم …
فَتَبدُو عَتِيقَةً
وقَذِرَةً مِن التَّعَرُّقِ اليَومِيِّ فِي ذَاتِ الكَلام …
أنفَاسُكَ مُضطَّرِبَة …
أعلَم هَذَا …
فَالمُرورُ مِن أَمَامِ الأمكِنَةِ المُتَحَوِّلَةِ
إِلى نُصُوصٍ قَلِقَةٍ
يُشعِلُ حُزناً خَاصَّاً فِي الكَلِمَات …
أُشعِلُ سِيجَارَتِي الأَخِيرَةَ هَذَا اليَوم …
لَم يَعُد لَدَيَّ المَزِيدُ مِن التَّبغ …
وفِيمَا أَرَى وَجهِي أَمَامَ الحُجرَةِ الزُّجَاجِيَّةِ
مُحَاصَراً بِنَظرَاتِ الجُنُود …
أسمَعُكَ تُرَدِّدُ لَحنَاً قَدِيمَاً
عَن الحُرِّيَة …
كأنَّ بَحرَاً وَرَاءَ الجُدرَانِ
يَتَنَفَّسُ فِي صَدرِكَ صَبَاحَاتٍ مُشمِسَةٍ
وصَدَى طُرُقَاتٍ
لَم تَختَطِفهَا الآلِيَّاتُ الثَّقِيلَة …
المَكَانُ مُغلَق …
البَحرُ صُورَةٌ مِثَالِيَّةٌ لإِهمَالِ الجُدرَانِ
وصَخَبِ الحُجرَاتِ الزُّجَاجِيَّة …
صُورَةٌ مِثَالِيَّةٌ
لاستِعَادَةِ زُرقَةٍ صَافِيَةٍ مِن الدُّخَانِ
تَصلُحُ سَمَاءً خَالِيَةً مِن الدَّوِي …
رُوَيداً رُوَيداً
تَبهتُ صُورَةُ الحَاجِز …
ويَعودُ الطَّرِيقُ لانسِيَابٍ مُتَخيَّل …
أرَاكَ الآنَ تَعبرُ نَحوَ اكتِمَالِ المَشهَدِ
تَجتَازُ المَسَاحَةَ المُضطَّرِبَةَ
بَينَ صُورَتَين …
فِيمَا الحُجرَةُ الزُّجَاجِيَّةُ
تَلِدُ ضَجِيجَاً فِي رَأسِي …
وصُرَاخَ جُنُودٍ …
لا تَصرِيحَ لَك …