في ظل انطلاقة حركة فتح … وانتظار إجابات الأسئلة المعلقة

يونس العموري | فلسطين

 

هي أول الرصاص وأول الحجارة، وهذه حقيقة راسخة لا يمكن تجاهلها أو القفزعنها وهي التي طوعت النظرياتبالتجربةالعملية الخاضعة لمنطق الإصرار والإرادة، وكان لها الريادة بكل ميادين العمل والفعل، كانت المبادرة دوما والقادرة على اتخاذ القرار وتقدير الموقف وجريئة لدرجة خربشة الأوراق الإقليمية إن لزم الامر، والدولية إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.

لا شك أن حركة فتح تعيش اليوم واحدة من أخطر مراحلها حيث محاولات الشد بها إلى القاع تارة من خلال الكثير من الوسائل والأساليب، ومحاولة الارتقاء بأدائها التنظيمي والسياسي تارة أخرى، حركة فتح التي تم ويتم استهدافها ليس كما نعرفها أو نعهدها يسيطر عليها الكثير من التجاذبات وفعل اللافعل ومن ردات فعل عناصرها على أسس غير مضبوطة، بل إن كادرها قد أصبح هلامي الشكل والتوجه جراء هذا العبث بأدبياتها وقوانينها. وكثيرة هي الأسئلة التي باتت تفرض نفسها وبقوة في ظل انطلاقتها الراهنة حيث كان من الملاحظ أن الحركة قد عانت وربما ما زالت تعاني حتى اللحظة من فعل الاستزلام والاسترجال لعناصرها، الأمر الذي ظل العنوان الأبرز في المشهد الفتحاوي عموما. ويتراءى السؤال هنا ، هل ما زال هذا الفعل والأقرب إلى السلوك العام محل استقطاب عناصر وكوادر فتح؟ أم أن هذه الظاهرة قد بدأت بالتلاشي؟ وهل ما يزال فعل المحاصصة مستمراً في التعبير عن منهجية الفكر والتفكير لكادر فتح ؟ حيث كان من المعلوم أيضا أن الكل أو البعض الكثير من هذا الكل يتساءل حول حصته أو حصة شلته من هذا المغنم أو تلك الوليمة، والجميع دون استثناء على مائدة ما يجود به دولته المسيطر على المشهد الفلسطيني عموما.

وبالرغم من نجاح الحركة في اجتثاث واحدة من أبرز بؤر الاستزلام والاسترجال والمحاصصة عليها وعلى تراثها، تلك البؤرة الإقطاعية التي حاولت السيطرة على مشهد فتح والزج بها في أتون معارك ليست معاركها من خلال الشقاق والنفاق، وهي الأساليب المعهودة للفعل التآمري والذي كاد أن يهدد أركان الحركة، والمُعتقد أن هذا التهديد ما زال متواصلا بشتى السبل والوسائل. والإجابات هنا منوطة بالسلوك العام لفتح التي اعتقد أنها قد تجاوزت الكثير من الأفخاخ التي نُصبت لها مؤخرا في سبيل إحالتها إلى إطار يتم تكوينه للعبور إلى مرحلة كان أن تم التخطيط لها بدقة وفي دهاليز صُناع القرار في الغرف المظلمة. وفي هذا السياق خاضت فتح واحدة من أعقد عمليات الجراحة الدقيقة لإستئصال بعضا من أورامها الخبيثة والتي اعتقد أنها قد نجحت بفعل الاستئصال إلا أن النتائج النهائية للاستشفاء مرهونة بالحالة العامة للحركة في ظل الحراك الفتحاوي العام.

قيل الكثير عن فتح ودورها في الظرف الراهن، وقيل الكثير عن وقائعها الحالية ما بعد العواصف التي ألمّت بها وبأطرها القيادية. وقاد القيل والقال منظري اللحظة إلى حد القول إن العملاقة هذه قد شاخت، وآن الأوان لأن يتم تجديدها، وفعل التجديد مرتبط بمفاهيم جدلية التجديد ذاته، والقراءة ما بين السطور توحي بأن ثمة تحولات جذرية تشهدها حركة فتح على طريق إحالتها إلى التقاعد، وأن تبقى مجرد يافطة تخدم مرحلة وظيفية خدماتية لمرحلة العبور إلى الجديد، وكانت المعاكسة لكافة الأهواء ولكل الرغبات بأن تُحال فتح إلى التقاعد، مع العلم أن إحالتها إلى التقاعد المبكر أمر ما زال قائماً، ويتم العمل عليه حتى اللحظة.

وكأنه يُراد لها أن تنتهي، وأن يتم اندثار مشروعها، وإسدال الستار على تاريخها، وكأن السيناريو المرعب الذي كدنا أن نشهد فصوله في مرحلة ليست بالبعيدة من الماضي القريب يوحي بأن ما وراء الأكمة ما وراءها . فبعد سلسلة طويلة من تباينالمواقف وتصارع البيانات وضياع الحقائق واختلاط الحق بالباطل، وتداخل كل مفاهيم الفعل التحرري وانقلاب قوانينه، واستحداث هجائن جديدة من شأنها إعادة التموضع من جديد بكل ما يتصل بالقضية الفلسطينية المتناقضة والمتباعدة عن جوهر أساس فتح على الأقل مع ما تم إقراره في مؤتمرها الساس برغم الكثير من الملاحظات الجوهرية والهامة حول هذا المؤتمر، فبعد كل هذا وذاك تحاول فتح أن تضع بصمتها من جديد على المشهد السياسي الفلسطيني العام، وذلك من خلال التمترس مجددا خلف محاولات الإصلاحات التنظيمية، وإن كانت عجلتها بطيئة وبطيئة جدا، وعلى وجه التحديد محاولة إصلاح الوقائع التنظيمية في الإطار القيادي الأول، وتصويب الخطاب السياسي بعد القفزات التي حققتها فتح كرائدة للعمل السياسي الفلسطيني عموما، وعلى الأخص الخطاب السياسي المتمترس خلف الثوابت الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني، وأخيرا محاولة فتح الرسمية، وأقول هنا الرسمية للدلالة العملية العلمية لإنجاز المصالحة الوطنية وللخروج من عنق زجاجة الانقسام العمودي والأفقي بالمعنى الجغرافي وبالمعنى السياسي التوافقي الاتفاقي وبالمعنى المؤسساتي.

لا شك أن وقائع المرحلة الفتحاوية الراهنة استناداً إلى ما كان عليه الواقع الماضي يشير إلى فعل تآمري من الطراز الأول على فتح، وكأنه يُراد لها أن تغير جلدها وتوجهاتها، وأن تصبح أي شيء آخر غير فتح الذي نعلم ونعرف، فقد أدخلوها في دهاليز وزواريب العشائرية والتوافق العائلي وحسابات أرباب المصالح والتوافق بعد أن كانت تفرض ذاتها وحضورها على الجميع، وكأنها قد أضحت ثوباً يتم تفصيله وفقا لكل المقاسات، وقابلة أن تتغير بتغير العشيرة والعائلة. ومناسبة القول هذا ما نحن بصدده بالظرف الراهن من استحقاق انتخابي قد يداهم الواقع الفلسطيني بأية لحظة وعلى أكثر من مستوى وصعيد.

حيث أنه ووفقا لمخترعي النظريات الجديدة لا بد من توافق العشيرة ومصالحها وتقاطعهم ورجالات فتح الأكثر نفوذا في المناطق بصرف النظر عن ماهية البرامجوطبيعية الكوادر واختيار القوائم على أسس برامجية تأخذ بعين الاعتبار الكفاءات والأنسب للموقع الانتخابي. والملفت للانتباه أن معظم الصراعات والنزاعات التي خاضتها فتح سابقا وبمحطات انتخابية وبمختلف المحافظات هي صراعات ونزاعات فتحاوية داخلية تعكس بالأساس حالة الشرذمة التي تعبر عن أزمة فعلية كانت سائدة في الهيكل البنائي لحركة فتح.

والسؤال هنا…. هل اجتازت فتح تلك الحالة، وأنتجت ذاتها من جديد، وتخلصت من طفيليات كانت قد نمت على سطحها بشكل عبثي؟ وبمعنى آخر هل نستطيع القول هنا إن فتح ما زالت تنافس فتح، وعوائل الفتح كثيرة، وسيد الموقف الصراع والتنازع ؟ وهل من الممكن القول أيضا إن فتح قد توحدت خلف ذاتها، وأيقنت أن عقابها من جموع جماهيرها قد جاء لرفض الحالة المتشرذمة التي عاشتها إبان الاستحقاقات الانتخابية الجماهيرية السابقة، وهي الآن تعد العدة لإنطلاقة انتخابية بأكثر من مكان وبأكثر من إطار ( الرئاسة .. التشريعي … المجلس الوطني … انتخابات المجالس المحلية )؟ أم التشظي ما زال سيد الموقف فتحاويا حتى يتم إقحام حركة فتح في معارك جانبية وهامشية مخطط لها لتستوي الطريق لتمرير فعل التفريغ وإحالتها إلى مجرد إطار يحتوي العناصر دون الانتباه إلى ضرورة فعل التأطير، والتوجيه والتعبئة التنظيمية الوطنية على أسس ومنطلقات ومفاهيم الحركة، وبالتالي عبورها بأدبياتها وبرنامجها إلى موقعها الريادي القيادي لجماهير الشعب الذي كان آمن بها وأعطاها فأعطته؟

وبقراءة موضوعية للمشاهد الانتخابية السالفة نلاحظ أن المُسيطر على الفعل الانتخابي آنذاك كان صراع الأرقام والمواقع، ومن يكون على رأس القائمة كانعكاس لصراع العناصر والأشخاص الذين يعتبرون أنفسم في عداد الكادر الفتحاوي، وكل هذا يتم على أرضية تصفية حسابات أبناء فتح فيما بينهم، دون الالتفات إلى المصلحة العامة ومصالح العملية الإنمائية السياسية الاستنهاضية للواقع الفلسطيني عموما الذي من المفروض أن يحكم المشهد العام لتوجهات فتح على أساس اليقين بمتطلبات ووقائع المرحلة بعيدا عن الحسابات الرقمية في بوتقة الفعل الاستزلامي وصراعات شخوص البيت الواحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى