ما الفرق بين التاء المفتوحة (ت) والتاء المربوطة (ة) في القرآن واللغة؟

 

ناصر أبو عون 

سألني صديقنا الكاتب محمد عبد العظيم العجمي عن دلالة كتابة حرف التاء مفتوحًا ست مرات في القرآن الكريم هكذا في لفظ (امرأت)؟ وما العلة في كتابتها بالتاء المربوطة هكذا(امرأة) أربع مرات؟ 

انظر كيف جاء اللفظ مكتوبا بالتاء المفتوحة في القرآن الكريم ست مرات

  1. إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ﴿٣٥ آل عمران
  2. وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ﴿٣٠ يوسف
  3. قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴿٥١ يوسف.
  4. وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴿٩ القصص.
  5. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ ﴿١٠ التحريم.
  6. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴿١١ التحريم.

وانظر أيضا إلى الآيات التي وردت مكتوبة بالتاء المربوطة في القرآن الكريم أربع مرات هكذا:

  1. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴿٢٣ النمل﴾
  2. وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴿١٢ النساء﴾
  3. وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴿١٢٨ النساء﴾
  4. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴿50 الأحزاب﴾

القول: بأن (الرسم العثماني والقراءات أمور لايدخلها التعليل) هو رأي مجحف ومخالف للمنهج العلمي، وتثبيط الهمم عن الاجتهاد؛ وإغلاق لأبواب المعرفة، وانكفاء على الذات، واجترار للقديم ولا يقوم عليه دليل. أمّا عن العلة بكتابتها بتاء مفتوحة فهذا راجع إلى العديد من الأسباب وهي اجتهادية محضة

الدليل الأول:

كل امرأة أضيفت إلى زوجها وهو علم معروف بين الناس؛ وهي مشهورة به ومنسوبة إليه وحتى لا يلتبس علينا شخصٌ آخر بذكرها؛ مثل (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ)، و(امْرَأَتَ نُوحٍ)، و(امْرَأَتُ الْعَزِيزِلقد تحقق شرط الإضافة لزوجها فصارت معروفةً به وصار معروفًا بها وكل منهما ينتسب للأخر. وسند هذا الدليل جاء في رسالة جامعية بعنوان: (سمات الاقتصاد اللغوي في العربية ـ دراسة وصفية تحليلية)؛ وهي رسالة ماجستير في اللغويات للطالبة: وردة غديري من الجزائر وقد نوقشت الرسالة عام 1423هـ 1424 هـ بإشراف الدكتور: بلقاسم ليبارير ـ جامعة الحاج لخضر (باتنة) الجزائر، جاء فيها ما يلي) :ذكر الصبان نقلاً عن شيخه السيد أن كل امرأة في القرآن أضيفت إلى زوجها ترسم بالتاء المفتوحة نحو: (امرأت نوح/ وامرأت لوط) .اهـ

الدليل الثاني:

كل امرأة معروفة (علم معرفة)؛ ومشهورة بين الناس تُكتب بالتاء المفتوحة، ووجاهة هذا الدليل: فهذه الأسماء لَمَّا لازمت الفعل، صار لها اعتباران: أحدُهما من حيث هى أسماء وصفات، وهذا تُقبَض منه التاء. والثانى من حيث أن يكون مقتضاها فعلاً وأثرًا ظاهرًا فى الوجود، فهذا تُمَدُّ فيه كما تُمَدُّ فى: “قالت” و”حقت”. وجهة الفعل والأمر ملكيَّة ظاهرة، وجهة الاسم والصفة ملكوتية باطنة.

ومن ثمَّ فتعريف المرأة يكون على وجهين وتأتي بتاء مفتوحة:

الوجه الأول في تعريف المرأة:

وتأتي بتاء مفتوحة حيث يكون التعريف بإضافة المرأة إلى زوجها بواسطة (ضمير متصل يدل على زوجها) مثل قوله تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) ﴿٨٣ الأعراف﴾ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴿٢١ يوسف﴾وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴿٥ مريم﴾

الوجه الثاني في تعريف المرأة:

يكون التعريف بإضافة المرأة إلى اسم زوجها مصرحا به مثل:قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴿٥١ يوسف﴾إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ﴿٣٥ آل عمران﴾

الدليل الثالث:

إنْ كانت الإضافة تحققت بإضافة المرأة إلى زوجها إلا أنّ هذه الإضافة عبّرت عن علاقة شكلية وليست كاملة الأركان وتفتقد إلى التوافق والانسجام، وسمتها الانقطاع بلا اتصال بين كل واحدة منهن وزوجها؛ وفي ذلك تفصيل؛ حيثما لا توافقَ تامًّا في العقيدة الإيمانية بينهما ووقوع المخالفة من أحدهما للأخرِ في المنهج الرساليّ؛ كما في حالتي (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ )، و(امْرَأَتَ نُوحٍ).

  1. أو تحقق الانقطاع وانفرط عقد الشراكة الزوجية التامة بالعجز عن القيام بالحقوق الزوجية أو التباعد القلبي وتمزقت عُرى العلاقة لأسباب اجتماعية وجسدية ونفساويّة مثل حالة (امْرَأَتُ الْعَزِيزِفقد كانت العلاقة بين الزوجين (شكلا لا موضوعا)؛ ومستمرة حفاظا على الشكل الاجتماعي، والمكانة السياسية التي يتمتع بها الزوجان بين الناس؛ ولكن انعدمت العلاقة في فراش الزوجية. 
  2.  أو حدث التباعد بين الزوجين قسرًا بالموت مثل حالة (امْرَأَتُ عِمْرَانَ( حنة بنت فاقوذا حيث توفي زوجها عمران ووضعت مريم يتيمة.

ويدعم قولنا السابق ما جاء في في كتاب (البرهان في علوم القرآن) لبدر الدين الزركشي 1/410 ـ 416 جاء فيه نورده بتصرفٍ وإيجاز وأشار إليه أيضا الدكتور محمد داوود: وقد مُدَّت التاء – أي جاءت مفتوحة – من كلمة (امرأت) في المواضع المذكورة تنبيهًا على فعل التبعُّل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف فى الموجود والمحسوس. فأربع من هؤلاء النساء كنَّ منفصلات فى بواطن أمرهنّ عن بعولتهن بأعمالهن: واحدة واصلت بعلها باطنًا وظاهرًا، وهى امرأت عمران، فجعل الله لها ذرِّية طيبةً، وأكرمها بذلك وفَضَّلها على العالمين. وواحدة انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله وتوكُّلا عليه وخوفًا منه، فنجاها وأكرمها، وهى امرأت فرعون. واثنتان منهنَّ (امرأت نوح، وامرأت لوط) انفصلتا عن أزواجهما كفرًا بالله فأهلكهما الله ودمَّرهما، ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة؛ مع أنها أقربُ وصلة بأفضل أحباب الله. كما لم تَضُرَّ امرأةَ فرعون وصلتُها الظاهرة بأخبث عبيد الله. وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتِّباعًا للهوى وشهوة نفسها، فلم تبلغ من ذلك مرادها، مع تَمكُّنها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو فى بيتها وقبضتها، فلم يُغْنِ ذلك عنها شيئًا، وقوتُها وعزتُها إنما كانا لها من بعلها “العزيز”، ولم ينفعها ذلك فى الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها، كما لم يضر يوسفَ ما امتُحِن به منها، ونَجَّاه الله من السجن، ومكَّن له فى الأرض، وذلك بطاعته لربه، ولا سعادة إلا بطاعة الله، ولا شقاوة إلا بمعصيته، فهذه كلُّها عِبَر وَقَعَت بالفعل فى الوجود، فى شأن كل امرأة منهن، فلذلك مُدَّت تاءاته؛ أي جاءت مفتوحة.

  1. وهذا يأخذنا إلى الفرق بين لفظ (امرأت) و(زوج)؛ فقد فسر علماء اللغة هذا الاختلاف بكونه أن الزيجة إذا كانت كاملة الأركان، وكان هناك انسجام واندماج بين كلا الزوجين قيل لفظ (زوج)، و ذلك في عدد من الآيات الكريمة و منها ما ورد في قصة آدم عليه السلام:” اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا” و” اسكن أَنت وزوجك الـجنة ”.

أما السؤال عن دلالة كتابة كلمة (امرأة) بالتاء المربوطة  في أربعة مواضع في القرآن الكريم على النحو التالي:

(1){وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} النساء/12.

(2){وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً} النساء/ 128.

(3){إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} النمل/ 23.

(4){وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الأحزاب/ 50.

يقول الشيخ محمد داود: فى هذه المواضع الأربعة كتبت (امرأة) بالتاء المربوطة، حيث إنها دالَّة فى هذه المواضع على الوصفية، فهى تنتمى إلى الملكوتية الباطنة. على النقيض من المواضع السبعة المذكورة التى رسمت فيها الكلمة بالتاء المفتوحة (امرأت)؛ وذلك لدلالتها على الفِعْلية، وهى مِلْكِيَّة ظاهرة لها أثرها فى الوجود؛ ففُتِحَتْ تاؤها للدلالة على هذا الظهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى