صورة المرأة في السينما بين الواقعة والأيديولوجيا الذكورية الأبوية (1)
أنغام عبد الرزاق شعيب | مترجمة وشاعرة مصرية
خلال سبعينيات القرن العشرين نشأ الاتجاه النقدي النسوي للأعمال السينمائية أو ما يسمى بالمدرسة النسوية للنقد السينمائي، والتي تقوم في جوهرها على انتقاد الصورة النمطية الكلاسيكية للمرأة بالأعمال السينمائية وتحليل دورها في تأصيل الاضطهاد الذي تتعرض له النساء عن طريق أكثر القوى الناعمة تأثيرا بالمجتمع والتي تتمثل في صناعة السينما.
وعلى الرغم من أن بروز نظرية السينما النسوية Cinefeminism لم يتحقق قبل السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، تلك النظرية التي تصر على أن صورة النساء في السينما لا تعكس حيواتهن الحقيقية، بل إنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها خُرافات خيالية من صنع الأيديولوجيا الذكورية الأبوية والتي يتم التلاعب بها لإرضاء رغبات وخيالات الرجل الذي يمثل معظم جمهور السينما في أغلب الأحوال.
إلا أن الأمر كان مختلفا فيما يتعلق بالسينما المصرية التي قاومت بشكل تلقائي غير متعمد هذه الصورة من خلال العديد من الأعمال السينمائية بداية من فترة الأربعينيات وبالتزامن مع ظهور الأفلام الناطقة!
فبينما كان الاتجاه السائد في السينما العالمية يعمل على تصوير الشخصيات النسائية بالأفلام كأشياء جنسية بحتة هدفها هو إمتاع وإشباع خيالات ورغبات المشاهد المتوقع لهذه الأفلام، وهو الرجل الذي ينتهي عنده المنتج النهائي ويدفع في المقابل ثمن تذكرة السينما من جيبه، كان هناك اتجاه مغاير في السينما المصرية التي هدفت أجيالها الأولى لاعتبار صناعة السينما رسالة ثقافية توعوية هامة ومسؤولة!
وكان اتجاه السينما المصرية لمناقشة قضايا نسائية مبكرا نسبيا بالنسبة للسينما العالمية، ففي العام ١٩٤٦ كان إنتاج فيلم (عدو المرأة) والذي تدور قصته حول الأديب والكاتب المعادي للمرأة والمعروف بكتاباته المسيئة لها والتي يرجع أصلها في نفسه لعدم قدرته على إيجاد امرأة تقبل به بسبب تواضع وسامته أو (قبح منظره) كما صوره الفيلم، والذي تتغير قناعاته تماما بمجرد الوقوع في الحب مع فتاة يرسل إليها صورة صديقه الوسيم لتتوالى الأحداث..
ثم توالت مناقشة قضايا المرأة المصرية بشكل أكثر وضوحا وجرأة، ففي العام التالي كان إنتاج فيلم (فاطمة) الذي ناقش الصراع القضائي حول ثبوت نسب طفل نتج عن زواج عرفي غير معترف به، وإن كان ثبت في نهاية الفيلم نسب الطفل لأبيه بناء على اعترافه إلا أنه قد أثار التساؤلات حول مدى عدالة النظام القانوني ومدى الحماية التي تشمل الأطفال والنساء في مواجهة النظام الطبقي الذكوري الشامل في ذلك الوقت.
في العام ١٩٥٠ كان إنتاج فيلم (الأفوكاتو مديحة) المحامية التي تواجه تعنُّت واضطهاد الأسرة وزملاء مهنتها وعزوف الناس عن التعامل معها لمجرد كونها امرأة، كما يتناول على استحياء مسألة عدم تمتع المرأة بالحق في الانتخاب؛ لكن الفيلم في مجمله لم يخرج عن الإطار السلوكي المتعارف عليه في ذلك الوقت بما يمكن معه اعتباره محاولة (خجولة) لطرح القضية، إلا أنه قد تمت مناقشة القضية ذاتها بشكل أكثر وضوحا وحسما في العام ١٩٥٢ بفيلم (الأستاذة فاطمة).
وتميزت مرحلة ما بعد ١٩٥٢ بالجرأة في طرح قضايا المرأة بالسينما بالتزامن مع سياسة الاشتراكية التي تبنتها الجمهورية الأولى، حيث تعالت الأصوات المنادية بالمساواة والحق في العمل لبناء المجتمع الجديد، وطالما لا تنال الحركات النسائية من القادة ومن الشخصيات العامة في سدة الحكم فقد كان مرحبا بها بالتوازي مع سياسة (الشعارات) السائدة في تلك الحقبة..
في العام ١٩٥٤ لم يفهم (حنفي) حقيقة أنه رجل مستبد يسيء استعمال ذكوريته ويسيء معاملة ابنة عمه بإبعادها عن التعليم وبإغلاق النوافذ بالخشب والمسامير، وبالتفريق بينها وبين الرجل الذي تحبه، إلا عندما تحول بدوره إلى (الآنسة حنفي) ليواجه مصاعب كونه امرأة في مجتمع يضطهد المرأة ويضيق عليها من كل اتجاه!
وفي العام نفسه كان إنتاج أول عمل سينمائى مصري يطرح النسوية كاتجاه فكري في فيلم (بنات حواء) وإن تناول العمل (الجمعيات النسوية) من منظور كوميدي متطرف أحيانا، إلا أنك تستطيع قراءة جدية الطرح من بين السطور ومن محاولات بطلة الفيلم المواءمة بين اتجاهها الفكري وقناعاتها النسوية والتعامل بها داخل المجتمع المصري حديث العهد بها، وبين حبها ورغبتها في الارتباط والزواج من دون التنازل عن أفكارها.
وهكذا توالت الأعمال السينمائية المصرية في مناقشة قضايا النساء المصريات خلال فترة الخمسينيات بطريق الطرح غير المباشر بأفلام لا نتردد في اعتبارها أعمال خالدة في ذاكرة السينما المصرية والعربية، مثل أين عمري، والطريق المسدود..
أو بطريق الطرح المباشر كما في فيلم (أنا حرة) إنتاج ١٩٥٩ ليكون درة تاج الأفلام النسائية في تلك المرحلة، وأهمها وأوسعها انتشارا وتأثيرا حتى يومنا هذا.