كنز مخجل
علي الشدوي | السعودية
فتحت أبواب ذاكرتها لكي تشاهد ما لا تسمح لأي مخلوق بالنظر إليه.
تاهت روحها في أمكنة غير معروفة.
لم تكن تعرف من أين تأتي ذكرياتها،
بيد أنها تعرف إلى أي مكان تتجه.
قبل تلك الليلة كانت قد تلذّذت لذة لم تعرفها من قبل.
بعدئذ غرقت في البؤس. أذهلها كم هو بسيط التمهيد والترتيب للذة العابرة.
تجاهلت ما أخجلها، واستعدت لأن تقتل بالتجاهل أي أثر لما حصل.
وضعت حطبا فوق الجمر.
نفخت فاشتعلت نار تكاد تنطفئ. نفخت مرة أخرى، وفي انتظار توهّج النار غنّت لتبعث البهجة في حياتها. فاجأها أحد أبنائها وهي تغنى. ذابت وتلاشت، واختزلت إلى جسد بلا دم.
غير الغناء أحبت (صالحة) الحكايات. في تلك الليلة حكت لأطفالها حكايات مكتظة بالقصور والدور، ومشبعة بالصيت والغنى.
بعد أن أنهت حكاياتها قامت ببعض التفاصيل: طمرت الجمر، قلبت الدلة والفناجين. دارت في البيت كمن يبحث شيء ما. سألت أطفالها ما إذا يريدون شيئا. غطتهم وهي تتمتم بكلمات الحفظ والصون.
خفضت ضوء الفانوس ثم تمددت لتنام.
وهي في انتظار النوم استيقظت وقد نامت.
عادت إليها ذكرى ما فعلت. هربت إلى الصلاة. وما إن انتهت حتى استسلمت لمراقبة الفجر؛ حيث السماء الصافية، وبعض النجوم مازالت تلمع.
انهمكت في تفاصيل الفجر اليومية:
ضحّت البقر.
أخرجت الضأن والماعز من الزريبة.
أمسكت النعاج والشياه لكي ترضع صغارها.
جهزت القهوة.
وحين اجتمعت مع أطفالها، كانت النجوم قد تورات ماعدا نجما واحدا،
هو وحده في تلك اللحظة أمير السماء.
على الأرض أشعرتها العصافير بأنها حية.
راقبتها وهي تنفض أجنحتها، ثم تتمادى في نفضها، وفي اللحظة التي تريدها تطير.
رفعت رأسها لترى النجم الذي يومض في الأفق.
أشارت إليه لأطفالها،
وإلى الحجل الذي يندفع مذعورا يضرب بجناحيه.
عادت لحظات ذاكرتها ككنز مخجل.
طردتها،
لكنها أقعت خلف جمجمتها ككلب.