رسالة إلى الذباب
أحمد نسيم برقاوي | شاعر وأكاديمي فلسفي
ليس الذباب على هذه الأرض شبيهاً
بذبابك يا سارتر
فيا أيها الذباب المنتشر حول موائد الكلام
والذباب بلا ذاكرة
أزيزكم ينبهني
ينبهني فقط بأن هناك على هذه الأرض ذباب
أتأمل أحوالي
لا كي أعرفني ،
فكل ماهياتي
التي صارت ورائي أعرفها
ولا أحن إليها
فوجودي يمشي أمامي
أتأمل أحوالي الآن
لا كي تندم حال من حال
بل كي يصرفها وجودي على طاولة القمار
المنتشرة في كل صالات الوجود
وصالات قمار الوجود
ليس فيها ربح أو خسارة
بل متعة اللعب بالريشة المغامرة
لا أطيق أحداً من أهل الأرض يتلصص علي
وأنا لا أراقب أحداً في الغابة يا سارتر
الغابة الملأى بآكلة الأعشاب أو اللحم
الآكلة فقط
الكارهة التفرد ورحلة الأجنحة إلى الأفق
ولست أدري لماذا يترصدني الآخر
يترصد أقوالي وأقداح خمري ورحلات قلبي
وأقلامي وآثار أقلامي
وأنا لا مدح يفرحني
ولا قدح يغضبني
لا وعيد يرعبني
ولا وعد يغريني
لا أحد يراني كما أراني
ولا أملك سيفاً أحمله على الناس
وعاطفتي جناح تحط على قلب من تشاء
أتأمل العدم القار في ذاتي
متصالحاً مع مصير
أعرفه
وأجهل متى يقرع باب وجودي
لا أدري من أكون غداً
ولا كيف أصير
في الآتي من الأيام
فلا تسلني عن ماهية غائبة لم تكن بعد
أتأفف حراً من حريتي
عقلي المشاغب غارق في عبث
لم يصنعه
،أنا كل أحوال النهر
.أجري أحياناً بحكمته الودودة
، وأهدر أحياناً أخرى غضباً فأفيض
،وحين أشعر بحال من جفاف
أتحول أحوالاً تتأمل اللامعنى الكثير
فأمطر
خوفاً على يباس الشجر.
تحررت حتى صرت في كل رحلة
مع الكلام صفحة بيضاء
كلما كتبت عليها ذاتي
أهدتني أخرى
ذاتي تعيش في قلب الوجود ،
متقززة من الشواطئ وساكنيها
وقارفة من الذباب الذي يحوم حول موائد الكلام.