شذرة في الحب.. الفلسفة الشخصانية قائمة على استعادة العلاقات المعشرية

أحمد برقاوي | كاتب فلسفي وأكاديمي

 

عندما تتحدث عن الحب فإنك تقيم مسافة بينك وبين الموضوع، إذا تجعل الحب موضوعاً للتأمل والتفكير، الحب بوصفه حاضراً والحب بوصفه أملاً، الحب بوصفه موقفاً من الحياة. ‏

لذلك فإن الفيلسوف مجبر على تعريف الحب، ما الحب؟ هذا السؤال فلسفي يعني أن تعطي جواباً كلياً عن الحب. ‏

أما حين تقف موقف الشاعر، فإنك لا تقيم مسافة بينك وبين الحب، بل إن كلامك الشعري هذا هو التعين الحقيقي لتجربة الحب، فليس الحب عند الشاعر بموضوع يكتب عنه، أو فيه، بل إنه الذات وقد تعينت بالحب، فصار الكلام تعيناً للتجربة الذاتية. في الحياة تتمنى لو أن علاقات البشر هي علاقات حب فقط، وهناك علاقات كثيرة بين الناس يكون رابطها الحب.

 خارج علاقات الحب بتعيّناته المتعددة بأشكاله بطريقة التعبير عنه، تصبح الحياة المعشرية مستحيلة، مستحيلة داخل الأسرة، مستحيلة بين الإنسان والعالم، مستحيلة بين الإنسان والآخر. ‏

والبديل عن عالم الحب هو نفي الآخر، الحب هو علاقة بيني وبين الآخر، البديل عن الحب أن الآخر لم يعد موجوداً، لم يعد موجوداً كحاضر في ذاتي، فصرت عدوانياً تجاهه، وهذا هو وجه الخطورة في العالم المعاصر، الفلسفة الشخصانية كلها قائمة على ضرورة استعادة العلاقات المعشرية بين البشر، ودون علاقات حب بين البشر لا توجد علاقات معشرية، أنا لا أتحدث فقط عن حب الرجل للمرأة، أتحدث عن حب الصديق لصديقه، حب الأب لأبنائه، حبي للآخر، حبي لطلابي، إنني أحب طلابي إلى أبعد الحدود، ولولا هذا لا أستطيع التعايش معهم، وهم بهذا المعنى يبادلونني التجربة نفسها، تجربة الحب، بالتالي الدعوة إلى الحب ليست رومانسية، أحياناً يأتيك من يقول إنك رومانسي، لا، أنا لا أريد لكل البشر أن يعيشوا تجربة مجنون ليلى، أريد للبشر أن يعيشوا تجربة العلاقات المعشرية الودية، حيث الآخر حاضر في حياتك بوصفه غاية، وليس بوصفه وسيلة أو شيئاً.

لا شك بأن الكره، بوصفه نقيض الحب، ليس سوى ثمرة الحب نفسه. فحين أعلن بأني أكره فإني أعلن في الوقت نفسه بأني أحب نقيض ما أكره. فالذي يكره ماهية الدكتاتورية والدكتاتور وطغام الدكتاتور فإنه يحب الحرية والديمقراطية واحترام الإنسان، إذاً: للحب أولوية على الكره.

والطغام الذين يكرهون المتمرد الحر فهم ينطلقون من حبهم لذواتهم  التي لا معنى لها بدون الدكتاتورية. فالإنسان لا يكره إلا ما لا يحب، فكرهه صادر عن حب نقيض ما يكره.

وهذا يعني ليس كل حب أمراً محموداً، فالتمييز بين حب وحب تمييز قيمي وأخلاقي، فارتباط الحب بمفهوم الفضيلة يحدد ماهية الحب. وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فإن الحب كينونة عاطفية وعقلية وجمالية وأخلاقية.

هل هناك حب مطلق؟ نعم عندما تحب الأكباد التي خلدها الشاعر حِطّان بن المُعَلَّى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى