لوحات.. قصة قصيرة
سامح ادوارد سعد الله – مصر
صعدت ذات يوم إلى سطح المنزل لأحضر بعض الأشياء لأمي من غرفة الخزين وقد حذرتني أمي من هذه الغرفة ألا أظل فيها طويلا واكتفى بإنجاز المهمة و العودة سريعاً, و لكن لماذا؟ لا أعرف, وكانت للغرفة نافذة تطل على منور البيت الملاصق لبيتنا و هذا البيت لم يكن سكانه موجودين دائما فقلما يأتون وأحضرت الأشياء المطلوبة و عند العودة جذبتني أصوات قادمة من الأسفل و ذهبت لاستطلاع الأمر وجدت تغييرا كاملا وشاملا في كل أرجاء المكان , وجدتها مرتبة ومنظمة و وجدت أيضا لوحة منصوبة على حامل و ها هي قد تغيرت ملامحها كثيرا فمنذ زمن بعيد لم أرها, عرفتها من لون شعرها القاتم الطويل جداً رأيتها أمام اللوحة ترسم و في يدها فرشاة و كانت عارية فربما كانت ترسم نفسها لأن أمامها أيضا مرآة كانت تتأمل فيها من حين لآخر و كانت تهندم شعرها تارة و نهديها حينا آخر و كأنها تضبط لقطات للوحة . كانت هذه استنتاجاتي و لكنى لم أعرف ماذا كانت ترسم ؟ دقائق حتى انصرفت و كذلك أنا انصرفت ؟ ذهبت لأمي أعطيها ما أحضرت و سألتني عن سبب التأخير فلم أجبها .و لكن أخبرتها بقدوم الجيران ؟ و هل يمكن لنا أن نزورهم؟ رفضت أمي الاقتراح حيث لا علاقات بين الأسرتين .
و لم يمر وقت طويل حتى صعدت مرة أخرى لأتابع المشهد و لكنى لم أجدها و انتظرتها طويلا ,لكنها جاءت بعد مدة طويلة .. أمى تنادي أسرعت إليها خشيت أن تعرف سري الوليد , نعم يا أمي , طلبت مني أمي أن أنزل معها وأن لا أعود مرة أخرى دون علمها فهناك خطر بالأسفل و ضحكت أمي و دفعتني لأنزل أمامها و ربما ابتسامتها أقلقتني و طمأنتني !
أقبل الليل و جاء والدي و تناولنا العشاء وجلسنا كالعادة لنشاهد فيلم السهرة ثم كل منا إلى غرفته للنوم و لكن لم تر عيني النوم باحثاً عن تفسير لهذ المشهد و كان عقلي يقلب مشاهد من نوع آخر داخل هذا التفكير و ساعد على ذلك هذا الجو الحار و أصوات المارة في الشارع غلبني الأرق فقررت الصعود إلى السطح لأتابع المشهد وجدت النور مضاء و اللوحة موجودة و لم أنتظر طويلا حتى دخلت الفنانة إلى مرسمه ترتدي فستانا طويلا و مفتوحا بطول الفستان و على كرسيها المتحرك جلست و نزعت فستانها من على أكتافها حتى منتصف جسدها و أمسكت فرشتها و شرعت ترسم و أمامها لوحتها و مرآتها بينما أتابع الرسم مرق قط أسود أفزعني و ارتجفت هرب القط سريعا لم يزن نفسه على سور النافذة فسقط لأسفل عند المرسم ,لم تهتم الفتاة بسقوط القط و كأن شيئا لم يكن .
تابعتها حتى مطلع الفجر و شعرت حينها أن أشباحاً و أرواحاً تطاردني من مكان إلى آخر و هجم عليّ جنود صفيح, امسكوني و قيدوني بسلاسل فضية صدقونى ومضوا بي خلف أسوار البيت و اخترقوا بي جدرانه و إلى البيت دخلنا وجدت لوحات كثيرة على الجدران و الصالون و كل غرف البيت و كأنه لم يكن بيتا بل معرضا كبيراً في مجموعة مختلفة من اللوحات حاولت الهروب من الجنود و بالفعل تحررت من هم ذهبت سريعاً لمرسم الفتاة ولكني لم أجدها و لم أجد لوحاتها التي كانت ترسمها بحثت عنها في كل مكان على الجدران و أسفل الأرائك في كل مكان محاولاً معها اكتشاف المجهول فلم أجدهم نظرت إلى أعلى حيث كنت أتابعها وجدتني هناك لا أزال أنظر إليها, مكان واحد توقعت أن أجدها فيه أسرعت إليه و لكن كانت الجنود الصفيح أسرع مني.