ورقة تنتظر العبور.. قصة قصيرة

محمد حسين | كاتب فلسطيني – دمشق

الغيومُ فراشاتٌ تحطٌ على اهدابِ السماء، الشوارعُ الجافةُ تفتحُ فمَها ، الشمسُ تحاولُ النهوضَ، تشقُ بخيوطِها رداءَ الغيومِ ، الأقدامُ مسرعةٌ تسابقٌ عجلاتِ المركبات خوفاً من عاصفةٍ مطريةٍ.
بدا النهارُ مختلفاً عن سابقاتِه يتحضرُ لشيءٍ ما ،
قاسم المترددٌ في الحضورِ للقاءٍ كانَ قد دعي إليه حسم أمره بالذهاب، أخذً مكانَه على كرسيٍ قاسٍ، كانتْ عيناهُ تغرزُ النظرَ في تناثرِ الأوراقِ واستغاثاتِ الكلماتِ التي ضاعتْ في صدى القاعةِ الفسيحةِ، كانت طرابيشُ الحياةِ حاضرةً في نقاشاتهم، لكنهم لم يخرجوا بشيء. بعدَ ساعاتٍ عدة، أمضاها مستمعاً خرج قاسم منهكاً، مشى في الشارعِ الفارغِ إلا من رذاذِ المطر، حيثُ باغتته رائحةُ عطر، التفتَ خلفه لم يرَ شيئاً، تراجع إلى الخلف قليلاً ليجد شابا وفتاة في مقتبلِ العمرِ يجلسانِ على درجِ بنايةٍ ويتبادلانِ أطرافَ الحديث، يتحديانِ قهرَ الطبيعة وقلةَ النقودِ التي لم تمكنهما من الجلوس في (كافيه) ، توقفَ بالقربِ منهما، سمعَ جملةً من الفتاةِ جعلتْ رأسَه يدورُ كلَ القارات:
” قلبي كالبحر تعال اغرق به لتتعلم ركوب الأمواج ” بادلهما ابتسامةً لطيفةً ومضى، وصلَ إلى البيتِ، رأسه كخلية نحل، معدته فارغة تشربُ ماءَها ، حضرَ طعامه على عجلٍ، وما أن انتهى من تناولِه، حتى ذهبَ إلى صديقتِه منى التي تشبههُ كثيراً، والتي تعرضتْ وهي في مقتبلِ عمرها إلى طعنةٍ مزدوجةٍ من طربوشينِ كانا الأقربَ إليها مما جعلها تدققُ في الهواءِ القادمِ إلى رئتيها.
تحدثَ قاسم إلى منى بكلماتٍ لا تخلو من اللهفةِ، لكنه أخطأ في كلمةٍ أثناءَ الحديثِ فأدارتْ ظهرهَا له مباشرةً تابع الحديثَ لكنها لم ترد عليه،
صمت.. تأمل.. لماذا ؟
_ أخشى أنها ترتدي طربوشاً، حدث نفسه وغادر،
في اليومِ التالي حاولَ التحدثَ معها استجابت بتردد ، سألها :
_لماذا عملت هكذا البارحه ؟
منى :
_لقد جرحتني تلك الكلمة وبقيت أبكي طويلاً لأنكَ شيءٌ مختلف، لقد خشيتُ أنكَ ترتدي طربوشاً ..
قاسم:
_ نفسُ الشعورِ انتابني أن تكوني مرتدية طربوشاً.
يبدو أن الطرابيشَ من كثرِ ازديادها أصبحتْ هاجسا بالنسبه لنا.
ضحكا طويلا
منى: يبدو أنَ هذهِ الحادثةَ كانت مناسبةً لنكتشفَ بعضنا أننا غيرَ مصابينِ بمرضِ الطرابيش..
سنواصلُ المشوارَ في هذا الطريق ونزرعه ورداً ليملأ عطرُه كأسَ الواقعِ القاسي…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى