رسائل الموت

محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري

لم تعد رسائل الموت كما عهدناها ــ مبطئة أو خافية ــ إنما باتت نسائمها تطوف حولنا ليل نهار، في كل بيت وشارع وعمل وحقل، ورحم وجوار، وحل وترحال، وصحة وسقم.. تنقص من أطرافنا، وتنقض من أعدادنا، وتفرق من اجتماعنا، وتقض أطيافها المضاجع، وتقلق الهواجع.

ولقد بعثت وفاة الطبيب الخلوق (د. محمد جابر) أقسى رسائلها إلى الجميع (دون استثناء):

الرسالة الأولى: إلى الأطباء الذين تعاملوا مع الجائحة بمنطق (البيزنس)، ولم يهتز لهم جفن أو يسمع لهم صوت، ولم تر لهم يد تشارك أو تواسي، أو تقدموا بمبادرة من تخفيض سعر الكشف أو توفير الدواء؛ إنما اكتفوا بجمع الأموال والتعاطي مع الحدث كمورد لزيادة الأرصدة .. ألا فليعلموا أن الموت لا يحابي الأطباء، وليسوا منه في بروج مشيدة، ولن يغني عنهم طبهم  في شيء  إذا حان الأجل ..كما قال المتنبي :

يموت راعي الضأن في جهله

ميتة جالينوس في طبه

أو كما قال شوقي :

إن نام عنك فكل طب نافع

وإن لم ينم فالطب من أذنابه

وليكن لهم في سيرة هذا الرجل النبيل المخلص، وما جعل الله له من ذكر على ألسنة العامة والخاصة أسوة ، وقد قاتل حتى رمقه الأخير، ولم يولي دبره لصاحب حاجة أو مريض.

وليعلم من يتولون مبادرة رفع أسعار الكشف في ظل ضوائق الناس وشدة حاجاتهم، وهم عن ذلك في غنى (أشد الغنى)!! ليعلموا أن بضاعتهم مزجاة إن أتوا بها ربهم هكذا يوم العرض، فلم ييسروا عن معسر، ولم يفرجوا عن مكروب، ولم يرحموا ذا علة “فالراحمون يرحمهم الرحمن”.

الرسالة الثانية: لصيادلة (البيزنس)، وغيرهم .. وهذا يعكس تردي حالة التكافل في المجتمع (المؤمن) “كمثل الجسد إذا اشتكى” فلم يبادر منهم إلا قلة بتوفير الدواء للمعسرين، أو تخفيض الأثمان.. إذا كانت الدولة قد أجحفت على الفقراء وحملتهم ما لا يطيقون من أسعار الأدوية، فلا تكونوا عونا لها عليهم، فلن تسألوا عنها، ولن تسأل عنكم “يوم يفر المرء من أخيه …” وكفى ما جمعتم من أدوية (المنشطات، والمحفزات، و..).

أما الرسالة الثالثة: فهي لنا جميعا.. فهذه رسل الموت من حولنا لا تفتر ولا تسكن؛ وقد ورد في الأثر أن للموت رسل “ألم يشب شعرك، ألم ينحني ظهرك، ألم يمت جارك؟!! وكلها نذر لا يغفلها إلا غافل ..

 فليرحم الله من قضى ويتجاوز عنه.. وليقصر من أنسئ له في أجله حتى يتوب ويستغفر..

والأمر ليس بعسير ولا بعيد.. فما هو إلا التوبة والعزم مهما قضى، يغفر لك ما قد مضى..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى