طفولة مقهورة وانتخابات
سهيل كيوان | فلسطين
الطفولة هي الضحية الأولى والأكبر للحروب وللاحتلال، ولحكم الظلام حيثما وُجد. فعندما تُحتلُّ الأرض، لا ينجو كبيرٌ ولا صغير، وعندما يعُمُّ الظلمُ والاستبداد في أي بلد كان، تُشوَّه الطفولة، وهو ظلمٌ أقسى وأشدُّ وقعاً على النَّفس، لأنه يحمل ضمنَه شعوراً بعجز الكبار عن حماية صغارهم، وما أقسى اللحظة التي يرى الكبار فيها أبناءهم يُضربون ويعتدى عليهم وهم عاجزون، أو يرتجفون برداً ويغرقون في الأوحال، أو يقضون جوعاً ومرضاً، من دون القدرة على إنقاذهم.
يوم الأحد الماضي، تعرَّضت الطفلة الفلسطينية حلا مشهور قط، ابنة الأحد عشر عاماً، من قرية مادا جنوب نابلس، وهي في ساحة بيتها، إلى اعتداء بالضرب، ومحاولة اختطاف من قِبَل مستوطنين ملثّمين من مستوطنة (يتسهار) المقامة على أراضي القرى الفلسطينية، منذ عام 1983. الاعتداءات على الفلسطينيين وطفولتهم لم تتوقف يوماً، فمن يطمع في أرضك، لا بدَّ أن يعتدي على كل أشكال وجودك، ولكن هذه الاعتداءات تصاعدت في ظلِّ الحكومات الأخيرة التي ترأسها بنيامين نتنياهو. فقد عملت حكومته على التغطية على جرائم المستوطنين، بل شجَّعتهم من خلال التساهل في استخدام السِّلاح للقتل، ثم تقبّل أي تلفيق وحُجّة، مثل محاولة دهس، أو محاولة طعن، وغيرها من مبرِّرات للقتل.
يحاول نتنياهو في هذه الأيام، ومن خلال بعض التصريحات واللقاءات الاستعراضية، التودّد لعرب 48، عسى ولعلّ أن يحصل على أصواتٍ منهم، تُعينه على تعزيز فرصته في تشكيل الحكومة المقبلة. يأتي تودُّد نتنياهو إلى المواطنين العرب، بعد تحريضٍ طويلٍ متواصلٍ ضدهم، وبعدما كان قد سنَّ قانون القومية الذي يضعهم دستورياَ في درجة أقل من المواطن اليهودي، وجعل لغتهم العربية في مكانة أقل من العبرية، بعدما كانت لغة رسمية، ولم يتوقف لحظة عن وصف ممثليهم في الكنيست، بأنهم داعمون للإرهاب. إلى جانب هذا، يجب الاعتراف، بأن هناك جانباً إيجابياً في توجّه نتنياهو الموسميّ، الذي سيختفي مساء يوم الانتخابات، في لحظة البِدءْ في فرز الأصوات، فقد شجّع توجُّهه هذا، مَركِز الخريطة السياسية الإسرائيلية على فتح فمه للمرة الأولى، والإعلان عن قبوله إقامة حكومة تعتمد على دعم القائمة المشتركة، جاء هذا على لسان يئير لبيد زعيم حزب «يوجد مستقبل» الذي يتزعَّم المعارضة الحالية في الكنيست، بصفته الكتلة الأكبر خارج الائتلاف، وذلك في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه القناة 12 قبل أيام قليلة.
يئير لبيد، كان معترضاً بشدّة على أي حكومة قد تُشَكَّلُ بدعم المشتركة، وكان يهاجم مركِّباتها، وله مقولة شهيرة، يسخر فيها من اسم النائبة السابقة عن التجمع الوطني الديمقراطي حنين الزُّعبي، وصرَّح مراراً قبل وبعد الانتخابات الأخيرة قبل عام، بأنَّه يرفض بشكل قاطع الجلوس في حكومة مدعومة من قبل القائمة المشتركة، علماً أنها تمثلُّ معظم الجماهير العربية، ووصف ممثليها بأنهم داعمو إرهاب، وهو ليس ضد قانون يهودية الدَّولة، ولكنه يطلب تعديلا، يُنصِفُ فيه فقط من يخدمون في الجيش من غير اليهود. يعلن لبيد الآن، وبفمٍ ملآن، موافقته على تشكيل حكومة بدعم المشتركة، وحجَّته في هذا، نتنياهو اليميني الذي أظهر جاهزية لعقد صفقات مع جناحٍ من المشتركة، والذي تحوَّل من مُحرِّض على العرب، إلى متودّد لهم لأجل أصواتهم، ودار نوعٌ من الغزل عبر وسائل الإعلام، بينه وبين النائب منصور عباس ممثل الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية قبيل التصويت على حلّ الكنيست الأخيرة، الذي امتنعت الإسلامية عن التصويت عليه، خارجة عن إجماع المشتركة، وهذا يعني شرعنة التحالفات والتكتيكات السياسية مع ممثلي العرب، بِمن فيهم المشتركة. النائب منصور عباس من ناحيته، برّر موقف قائمته الذي شابه الغموض من نتنياهو، بأنه قصد القول، بأن قائمته ليست في جيب اليسار والوسط الصهيوني، الذي اعتاد وقوف النواب العرب إلى جانبه، تحت وطأة وشعار صدّ اليمين واليمين المتطرّف، هذا الوسط واليسار الذي يدير ظهره لهم، ويتّهمهم بالتَّطرف ودعم الإرهاب، كما فعل غانتس في الجولة الانتخابية الأخيرة، الذي كان بإمكانه تشكيل حكومة ضيِّقة مدعومة من قبل المشتركة، ولكنه فضَّل التحالف مع نتنياهو، وهذا هو الأمر الطبيعي، ولكنَّ نتنياهو خدعَه ومَسَحه بعدما وعده بالشراكة مناصفةً على رئاسة الحكومة، وحوَّلَّه من قوة أولى في الكنيست الأخيرة، إلى حركة مُحطَّمة، على حافّة عبور نسبة الحسم.
ستمضي الانتخابات، وقد يبقى نتنياهو على رأس السُّلطة، وقد تُشكّلُ حكومةٌ أكثر يمينية من الحالية معه، أو بقيادة غيره، ولكنَّ قيام حكومة مُعتمدة على دعم المشتركة ليس وارداً، أما الطفولةُ الفلسطينية، فستبقى عرضة للاعتداءات، وفي حالة كوابيس مستمرة، ما دام هذا الاحتلال الإجرامي قائماً، بيمينه ومركزه ويساره.