ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة (10)
محمد زحايكة | فلسطين
إبراهيم جوهر من المبدعين المؤمنين بأن العرب يتقدمون في السن!
عرفت الصديق المبدع إبراهيم جوهر الذي يتقدم في السن عاما آخر يوم 12 نوفمبر الماضي، منذ أيام ما كان يطلق على بلدتنا جبل المكبر موسكو الصغرى أو عندما كان بعضنا يرفع الشماسي أذا أمطرت في موسكو.
كان إبراهيم شعلة من النشاط السياسي والثقافي والمجتمعي والإعلامي وفي مجالات العمل التطوعي، ويمكن وصفه بأن له في كل عرس قرص، وحاول مرارا اجتذابي إلى الثقافة الوطنية والتقدمية في مرحلة مبكرة عندما كانت العاطفة الدينية ما زالت متقدة ومشبوبة ومتأججة بين ضلوعي وجوانحي.
كنت أراه دامع العينين وحزينا على بعض الشباب التائه والحيران خاصة وأنه كان في طليعة الشبيبة المبادرة المنظمة الطامحة إلى أحداث التغيير نحو الأفضل.
وكما يذكر الصاحب كان إبراهيم في وقت ما مسؤولا عن النشاط الثقافي في نادي المكبر والذي استضاف أمسية شعرية للشاعر الشاب من جامعة بيت لحم معين جبر.. ويبدو أن بعض الحضور من المتزمتين قد استشفوا أو اشتموا من أشعار معين ضربا من الإلحاد وبالتالي أخذوا ينتقدون الشيوعية والشيوعيين.. ولأن إبراهيم يريد أن يدفع هذه التهمة الباطلة عن زميله معين وعن الشيوعية عموما.. أجاب هؤلاء المتفذلكين بما معناه أن الشاعر يحق له ما لا يحق لغيره في استيحاء واستيلاد الصور الشعرية غير المحكومة بسقف من حرية التفكير والتعبير، ثم إن الشاعر نفسه ليس “حشف” وإنما هو من ” جد “..؟؟
ومن المواقف المثيرة التي كان الصاحب شاهدا عليها لإبراهيم جوهر أن مجموعة من طلبة المعهد العربي الأردني في أبو ديس، أرادت أن تحيي مناسبة وطنية ذات يوم .. فتجمهر الطلبة أمام بوابة المدرسة الرئيسية.. ولكنهم بدوا مترددين في اتخاذ خطوة الحسم و” الهجوم ” .. عليهم. وفجأة رأينا إبراهيم يخطف العلم الفلسطيني من يد أحد الطلبة.. ويرفعه إلى أعلى.. وينطلق به نحو نقطة الاشتباك مع جيش الاحتلال وهو يهتف.. ” الحقوني “.. فلحقه العشرات من الطلبة في حين انسحب الصاحب إلى الخلف در .. متهيبا من هذا الموقف الإبراهيمي الشجاع.. ولم يعرف الصاحب إلى اليوم إذا انتهت تلك التظاهرة باشتباك مع قوات الاحتلال أم لا؟
ومضت الأيام وعمل إبراهيم في صحيفة الطليعة الأسبوعية لسان حال الحزب الشيوعي الفلسطيني ثمانينيات القرن العشرين حيث اهتم بتشجيع الصاحب ونشر له العديد من المساهمات والمشاركات الأدبية والسياسية مما وسع من مدارك الصاحب وجعله مطلعا ومواكبا لنتاجات الحركة الثقافية والأدبية . كما ساعد إبراهيم الصاحب في عدد من الملفات الأدبية التي سلطت الضوء على الفاعلين في الحقل الثقافي والتي نشرت في مجلة الفجر الأدبي التي كان يرأسها الراحل الكاتب والشاعر علي الخليلي.
وتمر السنون ويعاني إبراهيم من عارض صحي ربما يكون السبب المباشر الذي دفعه لترك الماركسية اللينينية أم العرافة ولكنه يبقى محتفظا بروح الفكر الإنساني التقدمي ويعتصم بنوع من التدين المنفتح الجميل المتقبل للآخر.. فيما نبقى نحن من الرفاق الحيارى أو من جماعة الرفاق حائرون يتسائلون؟ خاصة بعد تلاشي الدول والنظم الاشتراكية وخفوت الفكر الماركسي والنظرية العلمية.
وحافظ إبراهيم على تألقه في ميدان الإبداع الثقافي والادب خصوصا في النقد الأدبي كما نشر نتاجات أدبية من قصص وروايات عدا عن تنظيم وإدارة لقاء اليوم السابع لأكثر من عقدين من الزمن وما زال جنبا إلى جنب مع الكاتب جميل السلحوت ثم الكاتبة ديما السمان حيث يشعلون هذا الفضاء المكاني بابداعات لعديد من الكتاب والكاتبات الذين يجدون في هذا المنبر متنفسا مهما للاعلان عن نتاجاتهم وابداعاتهم الثقافية والأدبية ونقدها وتقريظها بما يسهم في تطوير أدواتهم الكتابية الإبداعية.. هذا اللقاء الثقافي الذي سلط الضوء على نتاجات أدبية وثقافية شتى..
إبراهيم جوهر كاتب وناقد متمرس ومثقف قلق يسعى إلى الكمال والجمال في الحقل الأدبي والإبداعي غيور على اللغة التي يصفها بمثابة الأرض للفلاح لمن يريد أن يسير في دروب الكتابة الإبداعية وسحرها الأخاذ .. وهو أحد فرسان المشهد الثقافي الفلسطيني بدون منازع له بصمته وتأثيره وإسهامه العتيد الذي لا ينكر ..
لإبراهيم جوهر الصحة والسعادة والعمر المديد والإبداع المتواصل في عيد ميلاده الثالث والستين.. فالحياة الحقيقية تبدأ بعد الستين .. ” أخي إبراهيم ” ورفيقنا سابقا .