عن سيد قطب واستعلاء الإيمان
الدكتور خضر محجز| مُفكّر فلسطيني
لا يمكن أبداً، ولن تستطيع حتى لو حاولت؛ فالأمر نابع من أعماق اللاشعور، نابع من عمق الميراث الديني الخاطئ..
لا يمكن لك، إذا أيقنت أنك على الحق المبين، إلا أن تثق بأن كل من حولك على الباطل الحالك المدلهمّ.
ولا يمكن لك في هذه الحالة أن تدعهم وشأنهم، لأنك واثق أنك ـ بما أنك على الحق المبين، وهم على الباطل المشين ـ إلا أن تشفق على نفسك أن تذهب إلى الجحيم إن لم تبذل وسعك في هدايتهم!
فأنت ترى أن الله خلقك نوراً، ومهمة النور أن يضيء. وكل من حاول منع النور من الإشعاع، كان:
1ـ ظالماً معتدياً في مفهوم الدنيا
2ـ كافراً مخلداً في النار في مفهوم الآخرة
3ـ دمه حلال في مفهوم قانون العقوبات.
من هنا فمن الطبيعي لك أن تمشي بين الناس مختالاً، فالفرق بينك وبين جيرانك، كالفرق بين الملاك والشيطان.
هذا هو تصور المتدينين الجدد عن الإيمان والمجتمع، كما يعلمهم إياه سيد قطب، إذ يقول:
“والاستعلاء بالإيمان ليس مجرد عزمة مفردة، ولا نخوة دافعة، ولا حماسة فائرة، إنما هو الاستعلاء القائم على الحق الثابت المركوز فـي طبيعة الوجود، الحق الباقي وراء منطق القوة، وتصور البيئة، واصطلاح المجتمع، وتعارف الناس، لأنه موصول بالله الحي الذي لا يموت…
إن المؤمن هو الأعلى، الأعلى سنداً ومصدراً. فما تكون الأرض كلها؟ وما يكون الناس؟ وما تكون القيم السائدة فـي الأرض، والاعتبارات الشائعة عند الناس، وهو من الله يتلقى، وإلى الله يرجع، وعلى منهجه يسير؟
وهو الأعلى إدراكاً وتصوراً لحقيقة الوجود: فالإيمان بالله الواحد ـ في هذه الصورة التي جاء بها الإسلام ـ هو أكمل صورة للمعرفة بالحقيقة الكبرى. وحين تقاس هذه الصورة إلى ذلك الركام من التصورات والعقائد والمذاهب، سواء ما جاءت به الفلسفات الكبرى قديماً وحديثاً، وما انتهت إليه العقائد الوثنية والكتابية المحرفة، وما اعتفسته المذاهب المادية الكالحة.. حين تقاس هذه الصورة المشرقة الواضحة الجميلة المتناسقة، إلى ذلك الركام وهذه التعسفات، تتجلى عظمة العقيدة الإسلامية كما لم تتجل قط. وما من شك أن الذين يعرفون هذه المعرفة هم الأعلون على كل من هناك.
وهو الأعلى تصوراً للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والأحداث والأشياء والأشخاص. فالعقيدة المنبثقة عن المعرفة بالله، بصفاته كما جاء بها الإسلام، ومن المعرفة بحقائق القيم في الوجود الكبير لا في ميدان الأرض الصغير.. هذه العقيدة من شأنها أن تمنح المؤمن تصوراً للقيم أعلى وأضبط من تلك الموازين المختلفة في أيدي البشر، الذين لا يدركون إلا ما تحت أقدامهم، ولا يثبتون على ميزان واحد في الجيل الواحد، بل في الأمة الواحدة، بل في النفس الواحدة من حين إلى حين.
وهو الأعلى ضميراً وشعوراً، وخلقاً وسلوكاً: فإن عقيدته في الله ذي الأسماء الحسنى والصفات المثلى، هي بذاتها موحية بالرفعة والنظافة والطهارة والعفة والتقوى، والعمل الصالح والخلافة الراشدة، فضلاً على إيحاء العقيدة عن الجزاء في الآخرة، الجزاء الذي تهون أمامه متاعب الدنيا وآلامها جميعاً، ويطمئن إليه ضمير المؤمن، ولو خرج من الدنيا بغير نصيب.
وهو الأعلى شريعة ونظاماً. وحين يراجع المؤمن كل ما عرفته البشرية قديماً وحديثاً، ويقيسه إلى شريعته ونظامه، فسيراه كله أشبه شيء بمحاولات الأطفال وخبط العميان، إلى جانب الشريعة الناضجة والنظام الكامل. وسينظر إلى البشرية الضالة من عل في عطف وإشفاق على بؤسها وشقوتها، ولا يجد في نفسه إلا الاستعلاء على الشقوة والضلال” انتهى.
سيد قطب. معالم في الطريق. (المملكة العربية السعودية. وزارة المعارف. المكتبات المدرسية). دار الشروق. الطبعة الشرعية السادسة. بيروت والقاهرة. 1979. ص164… ص165 ــ 166