من وحي الرحلة.. اتسع لك كونه فهل يتسع له قلبك
رضا راشد | باحث في اللغة والبلاغة – الأزهر الشريف
خلق الله عز وجل الكون وأودعه من الأسرار ما لو وقف المرء على شيء منها لشاهد عظمة الله عزو جل ، ولذلك أمر الله تعالى الإنسان بالنظر في الكون فقال تعالى :{ قل انظروا ماذا في السموات والأرض } ولكن النظر في الكون من زاوية ضيقة (أي من المكان الذي يسكن فيه الإسان) ربما لا يحقق الغاية المنشودة ، لذلك أمرنا ربنا بالسير والضرب في الأرض فقال تعالى :{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} فكان للسير في الأرض من المنافع والفوائد ما لا يعد ، ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله:
سافر تجد عوضا عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
وحسبك أن تعلم أن دولة الإسلام أسست برحلة هي الهجرة من مكة الى المدينة.
ولكن من الناس من حيل بينه وبين الرحلة والسفر لسبب أو لآخر (بدني أو مادي) فكان حقا واجبا على من يسر الله له سبل الرحلة والضرب في الأرض أن يشكر الله عزوجل على هذه النعمة التي تتيح له أن يشاهد من دلائل قدرة الله ما لم يتح لغيره ـ شكرا هو من جنس ما من الله به عليه ، وذلك بأن يتسع قلب هذا العبد لله كما اتسع لهذا العبد كون الله بما لم يتسع لغيره ممن لم يسافر ويرتحل ، فيمتلئ قلبه توحيدا لله، ويقينا بوعده ، ومحبة له سبحانه ، ورجاء في ثوابه ، وخوفا من عقابه ، وملاذا به والتجاء إليه سبحانه …………..إلخ أي لا يجعل في قلبه مكانا لما سوى الله سبحانه. فإن حدث هذا ( وهو ـ والله ـ عظيم وشاف ) كان من كرم الكريم أن يجازي ذلك العبد جزاء هو من جنس عمله ( الذي هو في الأصل شكرا منه على نعمة من الله ابتداء ) فيوسع على ذلك العبد قبره في الآخرة كما اتسع لله فلب ذلك العبد في الدنيا ، فإن أردت ( أيها العبد ) أن يتسع عليك قبرك في الآخرة فليتسع لله قلبك في الدنيا .
ولا تقولن :
إن ذلك في حق من اتسع له كون الله فسافر ، لأن كل إنسان مهما كان مضبقا عليه في الدنيا هو بالنسبة لحفرة القبر في سعة، ولكن كل بحسبه فهناك من اتسع له كون الله أكثر من غيره فعليه من الشكر أكثر.
وأعود فأقول :
كل منا قد اتسع له كون الله بنسبة أو بأخرى فمن اتسع له كون الله فليتسع لله قلبه حتى يتسع عليه قبره في الآخرة فإن من ضاق عليه قبره في الآخرة كان قد ضاق قلبه عن الله في الدنيا والجزاء من جنس العمل
اللهم لا تجعل في قلوبنا مكانا لغيرك اللهم املأ فلوبنا توحيدا لك وخوفا منك ورجاء في ثوبك ويقينا في وعدك ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.