قراءة في روايّة ,, تتمّة ما رويته لصديقتي الغيمة ,,
بقلم: هدى عثمان أبو غوش | القدس
” تتمّة ما رويته لصديقتي الغيمة “للكاتب الفلسطيني وليم فوسكرجيان، وهي من منشورات الكاتب بالتعاون مع منبر بلاد الشّام،فلسطين،2020.
العنوان “تتمّة ما رويته لصديقتي الغيّمة” هو عنوان يحمل الرّمزيّة، فالغيّمة ذُكرت في لغة الشّعراء والأدباء، فاعتبروا الغيمة كائنا حيّا يفكر ويغضب والغيمة تعني السّحابة وشدّة العطش، وفي الرّوايّة يمكن اعتبار أنّ الكاتب، يروي لغيمته المقصود بها النفس العطشى للحرّيّة ولانهمار مطر الحبّ في وطنه، ولا شكّ أنّ الرّمزيّة تبرز من خلال الرّوايّة من خلال عدّة مفردات.
روايّة تطغى عليها غياب أسماء الشّخصيّات، بطل الرّوايّة الذّي نجهل اسمه، يسرد معاناته وعلاقته مع الشّخصيّات القليلة والمحدودة بضمير المتكلّم وأحيانا ضمير الغائب، ولعلّ عدم منح الأسماء هو دلالة لفوضى الحواس المبعثرة بين غيوم وطنه، بأنّ لا شيء مستقر في هذا الوطن، ولحالة ممطرة بالحزن، وهي حالة قلق تبرز الاضطراب النفسي عند البطل
“أحدهم يتثبّت بملابسي”.
“الرّجال الّذين يلبسون ملابس الحرب”.
“حانوت صاحبي”.
بقلم جميل، وتصميم مختلف لمبنى شكل الرّوايّة وطريقة السّرد المختلفة، فالكاتب وليم فوسكرجيان، ما زال يتثبت بجذور حرفه العاصف تحت الأرقام وتكرار المفردات وأنسنة الجماد، كما في مجموعته السّرديّة “أنا العشق ومنك المطر”.
نجد في الرّوايّة وجه الانتظار والبحث عن الحبيبة، مكسّى باللهفة والشّوق، تجاه الحبيبة من قبل بطل الرّوايّة ومدى الأثر الإيجابي الّذي كانت ستخلقه لو كانت معه، ولكنّها تركته وحيدا وغابت، هذا وجه العاطفة، أمّا الوجه الوطني، فكانت علاقته بالمدينة التّي لم يمنحها اسم معيّن لتكون رمزا للمعاناة القائمة في كلّ الوطن، فيصف الحالة الاقتصاديّة المزريّة في ظلّ الانتفاضة و الاحتلال. ويصوّر معاملته القاسيّة وصور التنكيل به واغتصابه من قبل السّجان، تعرضه للإهانات من قبل الجنود في مدينته..
أجد في الرّوايّة، حسب رأيي الشّخصي في تكرار الأرقام إيقاع الوجع والحزن المستمر، وهي كرقصة صوفيّ، أوهي صرخة الفلسطيني الباحث عن الخلاص، وهي حالة اضطراب يمر بها البطل في وطن مخربش يعلو منه دخان أسود، وهي حالة الأمل في استعادة الحبيبة، ولكن هذا التّكرار قد يشوّش بعض القرّاء للرّوايّة، الّذي اعتاد على نمط معيّن من القراءة.
أمّا أنسنة الجماد فجاءت (النافذة، الغرفة، الجدران الخمس، الباب الخشبي، أعمدة الكهرباء، حاويّة القمامة). لتجسيد حالة الوحدة والألم عند البطل، فالجماد يشاركه أحزانه. وإن عاطفة الحزن هي ما اختزن من الوجع أو كما يقول الشّاعر سميح القاسم في نقده لكتابه “قراءة في سفر النبوّة “إنّ التّفجر الوجداني عند فوسكرجيان هو خليط من نار العذاب ونور المكابدة”.
“حاويّة القمامة ترمقني بزاويتين”.
خزانة ملابسي…..تشير إليّ بيديّها”
يستخدم الكاتب الأُسلوب التّصويري الّذي يثبت المقطع بلقطة تصويريّة متدرجة عموديا من أجل تصوير الملامح بهدف ابراز بشاعة المحتل والاذلال الّذي يتعرض له الفلسطيني.
ففي مشهد السّجن، يوظف أعضاء جس السّجان في تصوير بشاعة ما يقوم به السّجان أثناء عدّ السّجناء.”وتشاركه عمليّة العدّ اللعينة والسّافلة تلك
عيناه
حاجباه
أنفه
شفتاه
أسنانه………حذاؤه الأسود ذو القسمات الكريهة”ص97.
استخدم الكاتب المشهد التصويري البطيء أثناء تفسير حالة البطل العاطفيّة وهو في انتظار حبيبته، باستخدامه للتكرار لكي يجسد مدى شوقه ولوعته للقائها.
أمّا الصراع في الرّوايّة، فهو صراع حول التثبت في الوطن تحت رياحه المعذّب، وصراعه مع مدينته والأسئلة التّي تقض مضجعه وأحلامه، فالمدينة هي رمز للوطن الّذي يبحث عن الأمن في زمن فوضى الرّصاص والشّهداء. هي المدينة التي تنتظر مفتاح الحريّة، وقد تمّ ذكر المدينة عدّة مرّات مرفقة أيضا بصفات سلبيّة متعلقة ببشاعة تصرفات المحتل تجاه المجتمع، ومضايقات للنساء.
“رجال حاكم المدينة يركضون….. وعصيّهم وبنادقهم…. بأيديهم الكريهة…يتحسسّون جسدها من الجهات العشرين”ص86.
ديك المدينة اللعينة ص41.
“كلب مدينتنا “ص144.
هي روايّة بما فيها من رمزيات وأمطار الطرقات الحزينة، تفتح مصراعيها للتأمل في فلسفة لغة الكاتب الأدبيّة، وكما قال الكاتب إبراهيم جوهر في نقده للرّوايّة “كتابته تنتظر قارئا حاذقا ليقف على كمّ الحزن والغربة والحبّ التّي فيها”.