سأوزع الحلوى ذات يوم
توفيق شومان | مفكر لبناني
عادة لا أدري متى يكون الصباح، ولكن دعونا نفترض أن ساعة استيقاظي من النوم هي ساعة الصباح .
قبل الإفطار وقبل فنجان القهوة وقبل السيجارة الأولى ، أفتح جهاز التلفزة، وأتنقل بين القنوات اللبنانية، بادئا بشرائط الأخبار، شريط وراء شريط، فلا أقرأ سوى اتهامات، ولا أعثر إلا على عضلات الكلمات ، وكأن شرائط الأخبار تحولت إلى حبال من هواء تنشر فضائحنا وأحقادنا.
سأوزع الحلوى ذات يوم ، لو نُفخ في رميم عظام الحجاج بن يوسف وعاد ليقول: إني أرى تلفزيونات قد أينعت وقد حان وقت إخراسها .
أشعل سيجارتي الأولى ، وأتبعها بثانية ، وأنا أجول بين البرامج الصباحية ، أتخطى ما هو خارج السياسة ، أتوقف عند حوار مع ” محلل ” أو “خبير ” ، لا يسعفني عقلي لإستيعاب قدرة هذا ” المحلل” أو ذاك ” الخبير” على ” الطيران” والإيحاء بأنه يتناول إفطاره مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويأخذ غداءه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، ويتعشى مع الرئيس الأميركي جو بايدن .
سأوزع الحلوى ذات يوم ، إذا سمعت أو قرأت أن تلفزيونا وضع لافتة أو يافطة على مدخله مكتوب عليها : ” لانستقبل هواة الطيران ولا أحدا من سلالة عباس بن فرناس “.
أدخن السيجارة الخامسة، أغادر القنوات والشاشات ،أفتح هاتفي، تنهال رسائل ال” واتس آب ” فرادى وجماعات ومجموعات ، ذاك يعلم متى تقوم القيامة ، وذاك يُخبر بأن أكل الثوم يُشفي من وباء ” كورونا “، فيهزأ منه ثالث ويسخر قائلا بأن أقوام الفرنجة وقوم يأجوج ومأجوج “يلعبون” على العالم “لعبة كورونا “، وأما الرابع فهو ” استراتيجي ” يصر على ” معلوماته الموثوقة ” بأن الشرق الأوسط سيتحول ميادين حرب خلال فترة هي أقرب من حبل الوريد .
سأوزع الحلوى ذات يوم ، إذا قامت دولة في لبنان وقلبت المثل القائل: ” لا جمرك على الحكي ” ، وحولته قانونا يقول نصه: ” كل هذيان أو هراء على وسائل التواصل الإجتماعي يعرض صاحبه إلى غرامة مالية مشددة وبالعملة الصعبة “.
نفدت علبة السجائر الأولى ، وها أنا أذهب إلى جهاز ” الكومبيوتر” ، أطوف بين المواقع الإخبارية ، ما عدا قلة منها، أجد أكثرها واحدا وشبيها بالنعجة المستنسخة ” دوللي ” ، تسرق الخبر نفسه، وتسرق في الخبر إياه قواعد اللغة المكسورة ، وتسرق في الخبرعينه أخطاء الإملاء الفاحشة، وتسرق في الخبر ذاته بؤس تحريره ومأساة صوغه، وتسرق في الخبر عينه وذاته عدم الصدقية وعدم الدقة وعدم الصحة .
سأوزع الحلوى ذات يوم، في حال اجتمع مؤيدو ومعارضو ” 17 تشرين ” على رأي واحد و لمرة واحدة واستثنائية ، واتفقوا على إجراء تحقيق جنائي حول هذه المواقع كجزء من التحقيق العام بأسباب الإنهيار اللبناني العام .
هل يمكن أن يأتي ذاك اليوم ؟
ذاك اليوم الذي يمكن أن أقول فيه: سأوزع الحلوى هذا اليوم .