إعادة الاعتبار للخطاب السياسي: سنندم على العبث بالشرخ المجتمعي، وسنخرج خاسرين كمجتمع
أمير مخول | فلسطين
اللا- نقاش العنيف والإلغائي للآخر والتفريغي لكل بُعد سياسي وطني ووحدوي، والمستعر هذه الأيام في أعقاب انفصال القائمة الموحدة عن القائمة المشتركة، ليس نقاشا معنيا بالحوار أو الإقناع، بل مؤدّاه هو الدفع بالغرائز الى مقدمة الأذهان ويدفع بنا إلى متاهات خطيرة تسهم في تآكل المجتمع من داخله وتفككه وخلق عداوات داخلية خطيرة، وبناء جدران بيننا تفصل بين الأهل والأهل، كل ذلك من أجل كسب الأصوات للكنيست، بينما تعمل الدولة بدأب على حصارنا بجدرانها العنصرية والإقصائية والعدوانية والاحتلالية.
كان من الممكن أن تخوض القائمة الموحدة انتخابات الكنيست الإسرائيلي الحالية ضمن القائمة المشتركة، ولو حدث ذلك لما كانت دوافع وظيفيّة لإحداث شرخ اجتماعي واستثماره في تحشيد التأييد. لقد سبق ذلك سنين من العمل الوحدوي والشراكة، وعليه فان اثارة المواضيع اعلاه ليست هي جدول الاعمال الحقيقي لجماهير شعبنا بل هي جدول اعمال انتخابي ضيّق وقصير المدى له إسقاطات بعيدة المدى تهدد كياننا سعيا لفك الارتباط بين السياسة وانتخابات الكنيست، كما تهدد الرابط بيننا فلسطينيي الداخل وبين كل شعبنا وقضية شعبنا. إن ما يحصل يأتي على حساب جدول أعمالنا الحقيقي وفي مقدمته التقدم والعيش الكريم في وطننا ومناهضة الاحتلال والبنية العنصري الاستعمارية التي تهدد مصيرنا في وطننا، والتي تتعاظم تحت كنفها منظومة الجريمة التي تدفع نحو تفكيك المجتمع والتخريب على مجمل انجازاته ودفع الشباب نحو الهجرة او الخدمة في قوات الامن الاسرائيلية.
لا يجوز تفسير الموقف من الصهيونية وعقيدتها ومشروعها الاستعماري الاستيطاني العنصري، بأن يتحالف الفلسطيني المتدين مع الصهيوني المتدين ضد العلماني، وبالطبع لا ان يقف الفلسطيني العلماني مع العلماني الصهيوني، بل الموقف هو مناهضة الصهيونية بكل تياراتها وسياساتها وممارساتها من قبل كل التيارات السياسية بين جماهير شعبنا.
التقسيمات في سياق ما يجري خاليا داخل مجتمعنا الفلسطيني، ليست مبنية على “نحن أو هم”، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ليس الدفاع عن المسجد الاقصى المبارك والاوقاف الاسلامية هو شأن المتدينين وحدهم، ولا المسلمين وحدهم وكذا الامر في مناهضة العداء للإسلام والمسلمين، وليس الدفاع عن كنيسة القيامة والتصدي للمتاجرة التي تحصل بالأوقاف المسيحية هو حصريا شأن المتدينين او المسيحيين وحدهم. كل هذه الامور هي شأن عام لجميعنا وبالأساس لكل القوى الوطنية بمختلف تياراتها وفكرها وعقيدتها. كلها مساحات من الوطن وكل الوطن منكوب وكذلك اوقافه ومقدساته وعلمانييه ومتدينيه وملحديه ومؤمنيه، كلنا بالنكبة سواء، وكل وجودنا مستهدف.
شخصيا كنت أتمنى ان تبقى القائمة المشتركة كما كانت عليه بمكوناتها الأربعة ووفق برنامجها السياسي الذي أقيمت عليه، وأمام ناظري ليس تشكيلة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وإنما كيف نكون نحن العرب الفلسطينيين أقوى، إذ كل انجاز وطني في أي موقع يعزز من قوة كل مؤسسات جماهير شعبنا ويكسبها هيبة وحضورا يفرض حقوقنا وحقوق شعبنا على جدول الأعمال الإسرائيلي.
لقد كان من المهم صدور بيان الحركة الاسلامية (الجنوبية) وتحفّظها على تصريح النائب منصور عباس للتلفزيون الإسرائيلي الذي مسّ بالأسرى، كما انه من المهم اعتذاره وتراجعه، وهذا ضروري، واعتقد انه آن الآوان لتصويب النقاش والتنافس حول جدول الأعمال الحقيقي لجماهير شعبنا، وهو جدول الاعمال السياسي الوطني في مواجهة المؤسسة الصهيونية الحاكمة بكل احزابها وتياراتها، والذي لا يقبل بفك الارتباط بين قضايانا في الداخل ومجمل قضية شعبنا الفلسطيني، ولا فك للارتباط بين العمل السياسي وبين متابعة قضايا الناس، وهو الربط الذي شكل الطريق لمسيرة الإنجازات التي راكمتها جماهير شعبنا في الداخل وطوال مسيرتها الكفاحية.
ما نحتاجه في هذه الانتخابات هو إعادة الاعتبار للسياسة وتثبيت مكانة الخطاب الوطني الجامع وتعزيز موقع الجماهير العربية الفلسطينية، دونما المغالاة في أوهام التأثير ودونما التقليل من الاعتماد على قوة الجماهير الشعبية بوصفها العامل الحاسم.
عن الحملة ضد عايدة توما
لست عضوا في حزب بل لدي علاقات جيدة مع جميع الاحزاب، اتفق معها فيما اتفق واختلف فيما اختلف، ويبقى النقاش على مواقف وممارسات وتبقى المسؤولية المتبادلة. وفي هذا السياق لدي وجهة نظر مغايرة الى حد ما لوجهة نظر القيادية عايدة توما والتي عبرت عنها في ندوة عام 2015 عن الدين والحيز العام في اسرائيل وباتت بلحظة جدول أعوام انتخابات الكنيست الإسرائيلي للعام 2021. لن أحيل الموضوع الى السياق آنذاك، لكن وجهة نظرها شرعية ولا تمس بأحد ولا تتجنى على أحد، وليس لطرف مشكلة حقيقية مع ما صرّحته
. فالديانات في جوهرها هي حيز عام ونشأت كذلك في الحيز العام. الإيمان هو الحيز الخاص، ولا يحق لاحد فرضه على أحد، ولا فرض رؤيته للحيز العام على الحيز الخاص لغيره فالمجتمع التعددي يبني ذاته على التوافق رغم الاختلافات، وكم بالحري في واقع استعماري يستهدفنا جميعا. وللتأكيد فإن تقلصت سعة تعدديتنا سنضعف جميعنا. أما مسألة فصل الدين عن الدولة فلها أكثر من تفسير ديني واكثر من تفسير علماني، فهناك من يرى بذلك حماية للقوانين السيادية الحاكمة وقد تكون في حالات أخرى حماية للدين من استخدام المؤسسة الحاكمة له لمصالحها، وهناك من ينظر اليها من باب الدين لله والوطن للجميع وهناك من يرى الترابط الوثيق وضرورة عدم الفصل، وغير ذلك.
في التعددية قوة هائلة للمجتمع المنظم وغير المشتت، وهي معطى ولا تخضع لإرادة أحد، بل ما يخضع لأي إطار أو تيار هو نمط تفكيره وكيف يتعاطى معها. والأكيد هو ان أي مسعى لتقليص سعة التعددية والاختلاف، سوف يضعفنا جميعا كمجتمع.
إن التحريض الشخصي على النائبة عايدة توما في مواقع التواصل الاجتماعي هو مسلك خطير، ويمس بكل القوى الوطنية، وهو ليس شأنها الشخصي بل مسؤوليتنا جميعا، وبالذات لأن منسوب التحريض العنيف فيه قد يعرضها للخطر. كما أن افتعال جدول أعمال لا علاقة له بانتخابات الكنيست، هو مسعى التفافي على الطروحات السياسية.
ضمن التوافق في مواقف معينة والاختلاف في أخرى، أستطيع الجزم من خلال معرفتي بعايدة منذ الدراسة الجامعية ومرورا بالعمل السياسي والاهلي، بأنها شخصية قيادية مثابرة وذات مصداقية عالية في العمل السياسي والنسوي والتقدمي والجماهيري، وصاحبة موقف في كل شأن، وبذات الوقت صاحبة شعور بالمسؤولية تجاه كل المجتمع وكل جماهير شعبنا. بل إن التعرض لها بالحملات الشخصية والشعور بسهولة التحريض عليها هو ايضا مسلك مثير لعلامات التعجب والسؤال. في المقابل فإن الدفاع عنها ليس مسألة تخص تنظيمها الحزبي فحسب بل هو مسؤولية وطنية. كما من المثير صمت زملائها في القائمة المشتركة.
لن يفيدنا كسب الأصوات إذا كان الثمن تشتيت المجتمع وكيانه.