السعادة بالتسامح 

مرفت عبد العزيز العريمي | مسقط

عادة ما نتداول مفردات لقيم أخلاقية ذات معاني عميقة لكنها تبدو لسامعها أو قارئها أنها سطحية، وعندما نسعى إلى جعلها جزءا من حياتنا اليومية نكتشف أنها عميقه الأثر وتدوم لفترات كبيرة  تمتد إلى أعوام وأحيانا إلى حقب زمنية طويلة.

 وإذا ما أمعنت النظر إلى قيم؛ كالعفو والتسامح وتمعنت في معانيها لوجدتها كالسهل الممتنع؛ كلما سعيت إلى تطبيقها احتجت إلى سمات شخصية  مميزة لا يملكها إلا الإنسان القوي  الواثق من نفسه.. الإنسان الحكيم المتصالح مع ذاته، والمدرك لطبائع الإنسانية فالتسامح ليس ضعفا أو قلة إرادة لكنها النظر إلى  ماوراء الأشياء  من منظور 360 درجة.

المتسامح إنسان يتمتع بأفق واسع يتخطى الأفق نفسه، إنسان لديه القدرة على اختيار التوقيت المناسب لكل شىء  ويمتلك مهارة إدارة الذات بهدوء وعقلانية  وحزم.

والعفو والتسامح كمفهومين  يعكسان النظرة الإيجابية إلى الحياة، وهناك من ينظر إلى الحياة من منظور سلبي فيختار أن ينفس عن غضبه تاركا آثارا قد لا تعالج، وآخر ينظر إلى الحياة من زاوية إيجابية فينتهج الطريق الأصعب والأبقى وهو العفو عند المقدرة  مخلدا ذكرى لا تنسى، وكلاهما – العفو والتسامح – وصفتان للسعادة يعبران عن سماحة الإنسان والجانب الإنساني فيه.

والعفو والتسامح يعلمان ويهذبان ويشذبان سلوك الفرد دون أن يخدش إنسانية الإنسان، ووسيلة للتواصل والتحابب بين بني البشر من ناحية  من ناحية أخرى بين الإنسان وبقية المخلوقات حتى الجماد. ويتجلى مفهوم التسامح والعفو في الرسائل الحضارية كافة التي نشرتها الحضارة الإسلامية والتي سعت إلى الرقي بالبشرية من خلال زرع قيم العلم والتفكر والتدبر والتسامح والتكافل والمحبة والسلام.

ويرافق التسامح الحزم الذي يعيد الموازين إلى نصابها؛ فالحزم يعني المحافظة على تفكير واضح وعقلاني يلتمس الحقيقة  بصبر وتحكم دون ميل لآراء شخصية وهنا تظهر أهمية القدرة على امتلاك شخصية متوازنة ومتزنه قادرة على تملك زمام الأمور بحكمة وتسامح وهذه هي  أرقى سمات القدوة الحسنة.

وكل يوم يأتينا العلم بالمزيد من الدراسات حول التأثير القيم السلوكية للإنسان على حياته من بعض تلك الدراسات، دراسة أجريت على مجموعة من الأفراد تمت دراسة أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية ومن ثم دراسة  تأثيرالتسامح والعفو على حياتهم وعلاقتها بأمراض العصر. فوجد العلماء بعد دراسة مستفيضة حول أسرار السعادة  أن الإنسان الأكثر سعادة  والأطول عمرا هو الأكثر تسامحا والأقل انفعالا مع الآخرين لأنه لا يواجه ضغوطات نفسية ناتجه عن عدم الرضا من الآخرين وبالتالي لا يعاني من أمراض القلب، كما وجد الباحثون أن المتسامح لديه القدرة على الإبداع والابتكار أكثر من غيره  وذلك لأن ذهنه يكون أكثر صفاءا.

وكشفت الدراسة  أيضا  أن الإنسان الذي اعتاد على  التسامح  لا يحدث له أي ضغط نفسي وبالتالي لن يرتفع ضغط الدم لديه وهذا كفيل بأن يريح عضلة القلب، فالغضب والتفكير بالانتقام يستنفدان طاقة كبيرة من الإنسان  ويزيدان التوتر ويرفعان من  هرمون الكورتيزول لديه وعلى مرور الزمن يؤثران على صحته ويقصران من عمره.

وحتى في مجال تربية الأبناء توصل علماء البرمجة اللغوية إلى أن التسامح أفضل منهج لتربية الطفل فكلما تسامحنا مع الطفل نرسل إليه رساله إيجابية يتعلم من خلالها خلق التسامح والعفو الذان يعززان من ثقة الطفل بنفسه ويساهمان بشكل كبير في إنشاء طفل سوي هادىء واثق من نفسه واسع الأفق يملك سعة صدر وقدرة كبيرة على تفهم الحياة بمواقفها المتنوعة وبالتالي يقل عنده الرغبة في الانتقام، فالتسامح كقيمة أخلاقية يجب أن يكون ضمن القيم التربوية التي تتنهجها الأسرة في المنزل والهيئة التدريسية في المدرسة فتشكيل البنية الشخصية والقيمية للفرد  تكون من الصغر.

 والتسامح يزيل البغضاء ويصفي النية ويقرب المسافات ويعزز المحبة بين أبناء الأسرة والمجتمع الواحد، العفو كالماء يطفىء النار وينبت الزرع ذا الطلح الحسن، بالتسامح والعفو نربي أنفسنا على الصبر وعدم التسرع في ردود أفعالنا ونطور مهارات التعامل مع انفعالات المختلفة  فنصبح أكثر هدوءا ورباطة لجأشنا.

والعفو عند المقدرة من أسمى مشاعر الرحمة والإنسانية التي تميز الشخص الحكيم والحليم؛  يقول المولى عزوجل: (.. وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ …) فلنجعل من التسامح منهجا نمارسه كل يوم مع كل شخص أساء إلينا فالعفو عن زلات أصدقائنا والعفو عن حماقة أبنائنا حتى نوفر جهدنا ووقتنا في الإبداع و الابتكار والبناء.

بالعفو يمتلىء الفراغ بالحب، ويتسع الصدر بالتسامح.. وإن قلت مواقف عفونا زاذات المساحات الفارغة التي  يمكن أن تُملأ بالغضب والرغبة في الانتقام والعكس صحيح فالعفو  يعلمنا الرحمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى