قراءة في رواية (بيت الطاعة) للكاتبة السعودية منيرة السبيعي
عبد الله الحكماني | سلطنة عمان
جاءت الرواية في ٢٣١ صفحة من القطع المتوسط و دارت أحداثها حول ظاهرة اجتماعية تنتشر في مجتمعاتنا العربية بشكل عام وهذا ما شدّ انتباهي لها أي موضوعها.
اختارت الكاتبة الشخوص الآتية أسماؤهم:(نورة الزوجة،إبراهيم الزوج،لارا طفلتهما،رباب صديقة نورة،عزيزة صديقة نورة،ريم صديقة نورة،ماجد أخ نورة،يوسف أخ نورة،وشخصيات أخرى ثانوية كأسرة إبراهيم وهاشم خطيب رباب وتركي الذي تواصلت معه عزيزة لتصطاده كزوج وغيرهم…).
أما الزمن الذي اختارته فمن خلال الرواية يتضح أنه زمن ما بعد النفط والحياة المدنيّة المعاصرة وهو زمن يتكرر كثيرا في الروايات ربما لكونه الزمن الذي نشأ فيه الجنس الروائي لذا من الطبيعي وروده.وبالنسبة للمكان الذي تدور بداخله أحداث الرواية فهو مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية بحاراتها وطرقاتها ومؤسّساتها وكل تفاصيلها ومن هنا أثبتت الرواية بأنها ابنة المدينة كما يشاع مع الكثير من النقّاد.
وبدأت الأحداث بزواج إبراهيم الذي يعود إلى عائلة غنيّة من نورة ابنة عائلة أقل غنىً من عائلته- وهذه بحدّ ذاتها ظاهرة تتكرر في الروايات كثيرا ولها جذورها في المجتمع الحديث- وعن علاقة حبّ ربطتهما وأثمرت لهما طفلة تسمى لارا ثم تصاعدت الأحداث وتشربكت إلى أن وصلت عند اكتشاف نورة لعلاقة زوجها مع موظفة البنك بعدما تلصّصت على هاتفه ثم قامت بطلب المساعدة من صديقتها رباب للتعرف على هذه الفتاة أي موظفة البنك! كما أنها فضفضت لصديقة أخرى لها تسمّى عزيزة وهاتان الصديقتان يبدو أنهما أصبحتا أقرب لها في أزمتها تلك مع زوجها من أهلها لكونهما على الأقل يقدّران وضعها ويشتركان معها فكريّا. قبل أن تخبر أخيها ماجد بما حدث لها مضطرّة خصوصا عندما حانت لحظة سفر عائلة إبراهيم الزوج للمصيف في الخارج كالعادة وهي لم ترغب في مرافقتهم هذا العام لما جرى بينها وبين زوجها من توترات نتيجة اكتشافها لعلاقته بالفتاة و ردّة فعله غير المقنعة أثناء نقاشها له بعد الاكتشاف إضافة إلى تعامله القاسي معها طوال زواجهما وفتور عاطفة الحب التي جمعتهما للزواج وأشياء أخرى كذلك كإهماله لها بخروجه المستمر مع أصحابه في استراحته بالبرّ وتناوله للمسكرات وتذكّرها لمغامراته النسوية قبل الزواج.
مما جعلها تعيش تلك المرحلة المتأزّمة ما بين شدّ و جذب وتستعين بصديقاتها في الفضفضة وأخذ الرأي المناسب وقضاء الوقت للتخفيف من الضغط النفسي معهنّ. حيث قضت جلّ الليالي التي سافر بها إبراهيم مع صديقاتها أما في زياراتها لهنّ أو استضافتهنّ ببيتها وكذا الذهاب معاً الى الصالة الرياضية أومراكز التسوّق إلى أن جاءت النهاية التي أخرجتها من الأزمة أو كما جاء في الرواية من بيت الطاعة بعدما وجد إبراهيم الهاتف الذي نسته إحدى صديقاتها في البيت بإحدى ليالي استضافتها لها و شكوكه في أخلاقها وضربها ضرباً مبرحاً وهي البريئة من كل ذنب. مما جعلها ترفض الرجوع إليه وتطلب الطلاق لتخرج من بيت الطاعة.
والرواية في عمومها جميلة جدا سواء في تسلسل أحداثها أو لغتها أو توظيف الكثير من المعارف بها إلى غير ذلك .
فعندما تقرأ سردها للأحداث تشعر كأنك تعيش هذه الاحداث واقعاً وعندما تقرأ وصفها للأماكن والمشاهد كذلك وكأنك تراها أمام عينيك!
وكما قيل الأدب مرآة الشعوب ودوره أن يسلّط الضوء على كل صغيرة وكبيرة في مجتمعه من أجل أن يوثّق مرحلة أو يعالج ظاهرة وهذه الرواية جاءت لتعالج ظاهرة اجتماعية- كما سبق أن قلنا- لاتخفى على أحد ومن الطبيعي أن ياتي العمل الأدبي بالتشخيص مع العلاج في آن واحد.
ما تبقّى فقط هو أن نشير إلى أن الزواج مشروع إسلامي بحت له تشريعاته في القرآن والسنة وله حكمته الربّانية وغايته الإنسانية ومن باب حسن الظن نعتقد أن الطاعة التي تقصدها الكاتبة هي الطاعة العمياء الخارجة عن حدود الشرع. أما الطاعة الشرعية فهي لا يمكن تجاوزها والإسلام قد كرّم المسلمين بالزواج ذكوراً وإناثاً وجعل لكل منهم حقوقه وواجباته ولكن هناك من يخرج عن هذا الإطار ويتجاوز فيستحق أن تعرّيه الكتابة كما قرأنا في هذا العمل القيّم جداً.