مجموعة شعرية في زمن كورونا تقود إلى معرفة عالم شاعرها
أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت للشاعر إبراهيم اليوسف
بقلم: عالية ميرزا
شاعرة عراقية من كركوك | مملكة السويد
تعرفت على الشاعر ابراهيم اليوسف، بعد أن وقع أحد كتبه بين يدي، عن طريق أحد الأصدقاء المشتركين بيننا وهو الشاعر كيفهات أسعد مع مجموعة كتب أخرى، أعارني إياها، بعد مجموعة من التحذيرات، بضرورة إعادتها إليه، فور الانتهاء من قراءتها.. فقد وقع نظري على أول كتاب من بين هذه الكتب، بعد أن استوقفني عنوانه” أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت للشاعر إبراهيم اليوسف.
التجربة كانت بالنسبة إلي جديدة، من حيث إقحام العائلة فرداً فرداً، في نصوص شعرية مفصلة على مقاس كل فرد، في العائلة الممتدة، ومرحلته العمرية، ضمن فترة زمنية محددة وانعكاسات هذه الفترة على كل منهم، من خلال رؤياهم الخاصة، ومنطلقهم العمري، التجربة بدت لي شهية ودافئة جدا، ما دفعني لمواصلة القراءة.
الشاعر ابراهيم اليوسف هو شاعر كردي من سوريا، له تاريخ طويل وإسهامات عديدة في مجال الشعر، السيرة، القصة والرواية ،النقد والدراسات البحثية .
طبعاً تعرفت على عناوين كتبه عن طريق غوغل ،ما دفعني لتتبع سيرته وأصداء أعماله الأدبية والكتابية.
ففي ديوانه” أطلس العزلة” استطاع وبجدارة أن يختزل معاناة كوكبنا، في فترة زمنية صعبة، أعيدت خلالها بلورة أمور كثيرة، كان متعارفا عليها، على صعيد العلاقات الفردية، الاجتماعية، السياسة العالمية والقومية وكذلك بالطبع الاقتصاد.
وقد فرضت هذه المرحلة ثقافة عالمية موحدة على سطح هذا الكوكب البائس، لأن الإنسان بات مرعوبا من عدوٍ غير مرئي، وبات الموت قريبا، ويسكن بين أصابعنا، ويغلف أبعادنا من كل الاتجاهات .
من خلال قراءتي لديوان (أطلس العزلة) للشاعر ابراهيم اليوسف، وجدت أنه قد استطاع وبحرفية متقنة محاكاة المعاناة اليومية التي قد نراها اليوم، أو كنا نراها قبل الوباء، سطحية وحتى تافهة ، ولكن أن تتحول إلى حالة قاتمة تلون الحياة بكل تفاصيلها، فهو ما كان خارج تصور الإنسان، وذلك لاعتقاده أنه بات يملك الشفرة السرية لحل كافة المعضلات التي من الممكن أن تواجه البشرية، فالشاعر هنا استطاع وبجدارة أن يلبس هذه المعاناة ثوباً سردياً على قدر تفاصيلها، فاستخدم لغة دارجة بسيطة تمس الكل بشكل وبآخر، دون التزويق والسفسطة اللغوية والسردية.
“لا جرس في النص الجديد
اية ألة رعب وراء هذا الخلل”
سؤال وجودي يطرحه ببراءة وعفوية رائعة، ويثير عبره عالما من التساولات.
دلالاته الصورية تتوالد بانسيابية فطرية، تحتل مساحات الوجع الذي يملأ الأفق، إيقاع مرن وجميل، في مفرداته الدالة، والموظفة لخلق الدهشة المطلوبة في النص الشعري .
تتميز نصوصه بتناسق الهيكلة التركيبية لبناء الصورة الشعرية،مع تناسق إيقاع لغوي متناغم، وزج روح العصر في المفردات، وأبعادها الغير مرئية، وما استوقفني أيضا وتداخل العوالم ورسم المعاناة على اختلاف أنواعها ومستوياتها، ومقاربةوتناول التفاصيل الصغيرة والهوامش اليومية، مرورا بالقضايا القومية الإنسانية وأزمة الانتماء والوجود، وصهرها جميعأ في بوتقة رؤياه الخاصة بشكل بدا خلاله متميزا جداً.
والرؤيا عند الشاعر تتكون دون شك نتيجة تراكم مجموعة عوامل كثيرة، يكتسبها بتراكم تجاربه وثقافته وقدرته اللغوية، الشاعر المبدع هومن يحاول التحرر من القوالب الشعرية،و هو من يستطيع أن يبلور إبداعه من خلال طرحه لرؤيا صغيرة، ورفعها إلى المرتبة الكونية.
ومن خلال محاولته الجادة لبث ومواصلة الحميمة مع تجاربه الذاتية، وصهرها في حالة نص فني موضوعي يسلط الضوء عبر إدراكه الواعي لوحدة الزمان والمكان وصيرورتهما، في خدمة النص الشعري.
كتاب سلس يترك الأثر العميق في نفس وقلب قارئه.