منمنمات على جدار القلب

يحيى بهجت مرهج | سوريا

كنت أصعد الطريق مع جدي
من العين إلى بيته
قطف لي تينا عن التينة وتابعنا الطريق
في ذلك الصبح البهي
أتتني رائحة طيبة
سألت جدي عنها
ضحك وقال لي
قد يكون هنا قبر لرجل صالح
ومن يوم هذا الجواب الساحر
صرت كلما شممت رائحة طيبة في برية أقول
السلام عليكم دار قوم مؤمنين

على الشرفة البحرية لبيت جدي لأمي كانت أصائص الفل والحبق
وكانت تسقيها في ذلك الصباح وهي تغني أغان حزينة لأخوالي في الغربة وتبكي
خوفي ياظريف بعدي تتملك
وتوالف للغير وتنساني أنا
ثم تتجه نحو البحر باكيةوهي تدعو الله لهما
وتوصي عبدا بأخيه سهيل
أنت الكبير ياماما
صادف أن كان أبي في الغربة أيضا
وكانت جدتي في الضيعة
تغني نفس الأغنية
وتدعو بذات الدعاء
وتتجه نحو البحر البعيد وتقول
دير بالك عحالك ياماما
منذ اثنين وخمسين عاما
كلما أردت أن أرسل رسالة لحبيب بعيد
أذهب إلى البحر وأناجيه
فهو في ذاكرتي
ساعي بريد

مرة كنت مع صديقي المرحوم المهندس محمود في لجنة
تمادى المقاول في غيه
وصرخ محمود وقفل راجعا إلى مكتبه
فاجأني أن غضبه كان مني
أكثر من أي أحد لأني لم أصرخ في وجههم مثله
ذهبت وقدمت استقالتي وقررت السفر
في إجازتي الأولى ذهبت أنا ومها وباركنا لمحمود بزواجه
بعد برهة مات محمود بمرض عضال وأنا في غربتي
ذهبت في إجازتي الثانية أنا ومها لتعزية زوجته وأهله
وخرجت كي أقرأ الفاتحة على قبره
كان القبر أحجارا مصفوفة حول تربة بيضاء
بسيطا جدا
وجميلا جدا
ومهيب
قلت له يامحمود والله كنت أكثر غضبا منك
وكنت معك بكل جوارحي
ورفضت كل شيء
تمتم القبر لي
يايحيى
الناس نيام ، فإذا ماتوا استيقظوا
ومحمود يعرف كل شيء
عدت من القبر وفي خاطري أقول سبحان الله مات محمود وأنا في غربة
ورحت أنشد قصيدة محمود درويش
هذا هو العرس الفلسطيني
لايصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيدا أو شريد
ولم أبدل فيها إلا كلمة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى