الّثقافةُ الثالثةُ في العالم العربي

د. موج يوسف | ناقدة أكديمية – العراق

ظّل لفظُ الثقافةِ في عالمنا العربيّ يُفسّر وفق تصوّرات العامة ، فمنهم يرى القارئ والكاتب هو المثقف ، والآخر يزعم أن الثّقافةَ تقصرُ على الشعر بحكم أن العربَ أمةٌ شاعرة .

باتت الثقافة أحادية الجنس والنوع والفكر ولم تقترن بنظيرٍ لها في الوقت الذي صار العالم الآخر يعلنُ عن ولادة جنسين علميين كونا مفهوماً جديداً وأُطلق عليه (الثقافتان) جاء في طروحات عالم الفيزياء البروفسور( تشارلس سنو) عندما كتب في محاضراته الشهيرة والتي صدرت فيما بعد بكتاب بعنوان: (الثقافتان) ــــ عن المدى ـــ وقد تكلّم عن الهوة التي تفصل بين العلم والأدب، وقد دعا المشتغلين في الفضاءين ( العلم والأدب) أن يشيّدوا الجسور بينهما ، وقد استشرف بثقافة أخرى ، جاء المبشر بها (جون بروكلمان) في كتابه ( ثقافة ثالثة وراء الثورة العلمية) ليحقق نبوءة سنو ويعلن عن انتشار نوع جديد من الثقافة المعاصرة، ولها رواد من المفكرين والعلماء العلميين الذين صاغوا مفاهيم وأفكاراً جديدة للتعبير عن وعي البشر بانفسم وعقولهم وبالكون.

وحتى لا نطيل المقام على القارئ ونقتصر عليه طريق معنى الثقافة الثالثة ، سنضعه عند أولى خطوات هذا المسار في الكتاب الذي صدر مؤخراً عن المدى بعنوان (الثقافة الثالثة نخبة من العلماء والفلاسفة) ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي ، فقد جاء في التقديم عن هذا المفهوم، والذي يتطلب عرضاً أكثر من الإيجاز بحكم أن المفهموم لم تظهر ملامحه بشكل جلّي في العالم العربي وقد ذكرت المترجمة أن ( أقطاب الثقافة الثالثة هم علماء مشتغلون في حقول الذكاء الاصطناعي أو الوعي البشري أو تقنية المصغرات الناتوتكنولوجي أو الروبوتيات أو الفيزياء الكمية ..) ص11.

وتوصّي القرّاء بأن (الثقافة الثالثة ستكون خصيصة العصر المميزة في العقود ولأمدٍ بعيد وعلينا منذ اليوم الإعتياد على مفرداتها بتبصّر وشغف). وهذا الذي يدفعنا للتساؤل: هل بيئتنا العربية ستواكب هذا التطور؟ وهل ستقع في عبودية الإتباع ؟ وهل موائدها العلمية والفكرية جاهزة لتناول هذا المفهوم؟ ما يثير الشجن أن أغلب الأمة العربية مازالت تعيش على ذكرى حبيب ومنزل ، ومنهم من يتكئ على عمود الخيمة والآخر يعيدُ لحنَ سمر ليالي هارون الرشيد ويضفي عليها أنغام العصر الحديث ، ويعود هذا إلى أن الغالبية المشتغلة في هذي المجالات هم كائنات كسولة قررت أن تعيش على مجد الإرث القديم ، والذي قرر النهوض حرك سفينة إبداعه نحو المسار الغربي فظل متأرجاً بين محاولات تصعد نحو الإبداع وتهبط إلى التقليد.

وحتى نبين مكانته عالمنا العربي من الثقافة الثالثة لابد من عرض روادها الذين تناولتهم الكاتبة لطفية في الكتاب بدءاً من (جون بروكلمان) الذي أشرنا إليه في مطلع المقال ويرى أن (أميركا هي الروضة الفكرية التي تنطلق منها أفكار الثقافة الثالثة باتجاه أوربا وآسيا )ص25وقد أشار الى مولد هذا المفهوم، بينما العالم ستفين جاي غولد أحد أقطابها يرى ( الثقافة الثالثة فكرة مؤثرة للغاية ، فمن الكتّاب غير الأدبين ومن حقل العلوم الأفكار الجديدة الملهمة يدعون الناس لقراءتها والتمعّن في خلفيتها الفكرية المدهشة )ص 31. ونلحظ أن عالم البيولوجيا التطوّرية ريتشارد دوكنيز في طروحاته قد نبّهَ على أن النظرية لا تقتصر على العمل الأدبي والنقدي قثط ، فيقول ( تمّ اختطاف مفردة النظرية ذاتها لتخدم غرضاً أدبياً متطرفاً صيغه وأصوليته الأرتوذكسية ويكون من نتائج تلك الأصولية أن آنشتاين لم يأت بنظريات وكذلك ما سواه من العلماء المعروفين في التأريخ الفكري للبشرية)) ص38 .

دوكنيز قد وضح قضية النظرية التي رأى أنها موزعة بين العلم والأدب وصحح المفوم المغلوط ، ومن مفاهيم الثقافة الثالثة الذكاء الاصطناعي الذي أشار إليه جون ثورنهل في مقالته (الذكاء الاصطناعي والأدب والوحي في الآلة) ويقول: (قدحت هذه التطورات الحديثة في حقل الذكاء الاصطناعي خيال بعض روائينا الأكثر إبداعاً الروبوتات المفكرة التي تختصّ بها روايات الخيال العلمي ودخلت في ميدان الإنتاج الأدبي وصارت موضوعاً روائياً)ص48 .

وهذا النوع من الروايات هو السائد وله جمهور من القرّاء.وللروايات الفلسفية جمهور أيضاً وكتّاب محترفين منهم (ريبكا غولدتشتاين) روائية وفيلسوفة وأستاذة في الجامعة الأميركية التي كتبت رواية (خواص الضوء رواية الحب والخيانة) وكتبت أيضاً ( أفلاطون في عصر غوغل الأسباب الكامنة وراء عدم موت الفلسفة).

وبهذا التقديم لبعض رواد الثقافة الثالثة نحلظ أنها تجمع بين العلم العملي والفلسفة والذكاء الاصطناعي مع الأدب ، وللإجابة عن موقعها في العالم العربي وحتى نكون أكثر موضوعية نقول إن عالمنا بدأ يتابع قضايا الثقافة الثالثة وهناك محاولات كتابية متناثرة في مقالات منها يترجم عن الآخر ومنها يكتب وفق رؤيته لكنها لم تدخل في بحوث محكّمة مستقلة ، فمازالت حبيسة المقالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى