” سيف الرحبي “.. العالَم بنظرةٍ مختلفة

ريم داوود | كاتبة عُمانية – القاهرة

           

التقيته للمرّة الأولى وأنا طالبة جامعية في نحو العشرين، في السنوات الأولى للتسعينيات. الواقع أنني قابلته مرّتين متقاربتين، إحداهما في القاهرة والأخرى في مسقط. لا أدري أيّهما سبقت الأخرى، لكن أستاذي، الكاتب الراحل “جمال الغيطاني”، كان حلقة الوصل بيننا في المرتين.

كنتُ حينها صحفية تحت التمرين في جريدة “أخبار الأدب” الأسبوعية، التي رأس “الغيطاني” تحريرها لسنوات. اقترب موعد سفري السنوي لمسقط، فأعطاني ظرفًا كبيرًا، لا أعرف محتوياته، وإن كنت أظن أنه كان كتابًا، بالإضافة إلى خطاب. حملتُ الظرف لـ”سيف الرحبي” في المقرّ القديم لمجلّة “نزوى”، الذي كان عبارة عن فيلا في منطقة “مدينة قابوس”. رحّب بي الرجل، وكان بالغ اللطف والتواضع، معي أنا، الشابّة الصغيرة التي تكاد تتعثّر في خجلها. خلال حديثنا القصير، فهم أني سأسافر إلى “لندن”، لألحق بوالديّ اللذين سبقاني لقضاء إجازة الصيف هناك. استسمحني بدماثته المعهودة في المرور عليه ثانيةً، قبل سفري، ليرسل معي ـ بدوره ـ كتابًا وخطابًا للكاتبة اللبنانية الراحلة “ميّ غصّوب”. أخذتهما منه بالفعل، وحملتهما إليها في مكتبة “الساقي”.

بعد عودتي لمصر، وفي صباح شتوي بارد، استدعاني الغيطاني لمكتبه، وأخبرني بأن سيف الرحبي موجود في القاهرة، واقترح عليّ لقاءه وإجراء حوار قصير معه. لم أكن مستعدة لإجراء لقاء، لم أحضّر له جيدًا. قلت ذلك بشيءٍ من القلق. قال “الغيطاني”، مُطَمئِنًا، كعادته، أنها ستكون مجرّد دردشة خفيفة.

حتى ذلك الوقت، انحصر معظم عملي في تغطية الندوات. كان إجراء لقاء صحفي، بمفردي، خطوة كبيرة أثارت توتّري. التقيت “سيف الرحبي” في أحد مطاعم منطقة “المهندسين”، صباح اليوم التالي. أخرجتُ جهاز التسجيل من حقيبتي، وبدأنا نتكلم عن الكتابة والحياة، وأمورٍ شتّى. حين انتهى اللقاء، اكتشفتُ، لصدمتي البالغة، أن الجهاز لم يسجّل كلمة واحدة!

غمرني شعورٌ هائلٌ بالارتباك، والحرج البالغ. أحسستُ بضيقه، هو أيضًا، لكنه تجاوز المسألة خلال لحظات، ووعدني بأنه سيكتب كل ما تكلّمنا فيه ويرسله لي. أوفى بوعده، وبعث لي بإجاباتٍ على أسئلتي. نُشِر اللقاء في “أخبار الأدب”، ثم أعادت صحيفة “الأيام” البحرينية نشره.

عبر أعوامٍ طويلة، جمعتنا لقاءات قصيرة، سريعة، لكنها مليئة بالودّ والكرم والمحبّة الصافية. ما من مرّة زرته فيها، في مكتبه، إلّا وخرجت محمّلة بكتبٍ ـ له ولغيره ـ ومطبوعات مختلفة؛ والأهمّ من ذلك بحكاياتٍ وذكرياتٍ مدهشةٍ، وقصصٍ عن أشخاصٍ كنتُ أظنّ أنّي أعرفهم، لكنني أتعرّف إليهم من جديد عبر نظرته العميقة والمختلفة للناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى