يوميّات معتقل ” أنصار3 ” النقب

 عبد الناصر صالح | فلسطين

 

على دَمِنا يَنْهَضُ الرَّمْلُ،

يَرْسُمُ ظِلاً لأَرْواحِنا

ويُعانِقُ سَوْسَنَة تَتَفَّتَحُ خَلْفَ السِيّاجْ.

على دَمِنا تَتَفَرَّعُ داليَةٌ

تَتَوَحَّدُ آلِهةٌ ولآليءُ تَاجْ ؟

///

هُوَ السِّجْنُ إضبارَةُ القهرِ،

ملحمةُ النّصرِ

شَمْسٌ تُخَلّفُ أجْسادَنا مُضْغَةً للسَّوادِ

عَذابٌ ومَلْحٌ على الجُرْحِ يَطْفو

وماءٌ أُجاجْ.

///

هُوَ السِّجْنُ،

عُمْرٌ منَ الإِنْتفاضَةِ ما بَيْنَنا

ذِكرياتٌ من الجوعِ والحُزْنِ

رِحْلَتُنا الأبَدِيَّةُ في أرْضِ كَنْعانَ،

يَكْتَشِفُ الغُصْنُ فيها الجُذورَ

حُدودَ الينابيعِ

فَلْسَفَة الأَنْبياءِ

وتاريخَ كُلِّ الحروبِ ـ الفُتوحاتِ

أوْسِمَةَ الإِنْتصاراتِ

(هل أثْقَلَتْنا انْتصاراتُنا

أم ضَجيجُ هَزائِمِنا في الظَّلامْ؟)

///

يُقَرِّبُنا الرَّمْلُ من دَمِنا،

ونُفَتّشُ ما بينَ ذَرّاتِهِ

عن حَضارةِ مَنْ سَبَقونا إليهِ

ونَعْرِفُ أسّماء مَنْ سَكَنَتهُمْ بِلادٌ

يُصارِعُها المَوْتُ

لكنَّها تَسْتَفيقُ على مَطَرٍ

تَبْعَثُ الرُّوحَ في حَجَرٍ يُفْزِعُ الكَوْنَ

في جَسَدٍ لا يُضامْ.

///

تَطيرُ بِنا الرَيحُ،

صَحْراءُ مِلء نواظِرِنا

وقَواعِدُ للجَيْشِ مَحْروسَةٌ بالقَذائِفِ

مُرْتَفَعاتٌ مُحصَّنَةٌ بالمتاريسِ

أقْبِيةٌ لعذاباتِنا

وعَقاربُ تَنْخُرُ دِفءَ الأَسِرَّةِ

(لا يَلدُ اللَّيْلُ إلاّ العقاربَ

والحَشَراتِ الصَّغيرةَ)

جَيْشُ الأفاعي يقضُّ مَضاجِعَنا

والذُّبابُ المُخَيِّمُ فوقَ الطَّعامْ.

///

هُو السِجْنُ مَحْكَمَةٌ

والقُضَاةُ بِها يَسْتَبيحونَ كُلَّ القَّوانينِ

يَمْتَلِكونَ فُنونَ التَّوعُدِ والإِتّهامْ.

///

تَنوءُ بِنَا الرّيحُ،

يَلْتَهبُ الرَّملُ تحتَ الأصابعِ

يُصْبِحُ للشَّمْسِ يَوّابةً

قُلْتُ: هل قَتَلَ الفِكْرَةَ الآدَميَّةَ

صَوْتُ الرَّصاصِ المُدّوي ؟

وهَل أثْقلَتْ بالعذاباتِ أرْواحُنا ؟

قُلْتُ: هذا هُوَ السِّجْنُ يا صاحِبي

سَماء يُحاصِرُها الخَوفُ والطَّائِراتُ

زَنازينُ للصَّلْبِ مُغْلَقَةٌ وَخِيامْ.

مَيادينُ للحَرَسِ الغاضِبينَ

يَجُولون لَيْلاً

ويَكْتَشفونَ المهَارَةَ بالقَنْصِ

( لا يُخْطيءُ الجُنْدُ بالقَنْصِ

بَلْ يأخُذونَ على قَطْرَةِ الدَّمِ جائِزَةً

وعلى طَلْقَةِ المَوْتِ تَرْقِيَةً

وَوِسَامْ ).

///

هُوَ السِّجْنُ،

جَمْعٌ منَ الأصْدقاءِ الْتَقَوْا بَغْتَةً

وأحاديثُ تَقْفِزُ عن ذِكْريات الطُّفولَةِ،

حينَ  اسْتراحَ النّهارُ على عَتَباتِ المُخَيّمِ

لوَّنَ وَجْهَ المدينةِ بالعُرْسِ،

أوْمَأ للنَّجْمِ أَنْ يَغْمُرَ الأَرْضَ

للرّيحِ أَنْ تَتَرَيَّثَ في هَيْئةِ الطّيْرِ

ثُمَّ تُطهِر أَجْسامَها بِمياهِ البِشارَةِ،

حَثَّ الضَّفائِرَ أنْ تَتَحلَّلَ من لُغْزِهَا

وتُحلِّقَ فَوْقَ الجِبالِ حدائقَ

من عِنَبٍ وخُزامْ.

أحاديثُ تَقْفزُ من حُجْرَةِ القَلْبِ

يَسْتَرسِلُ الأصْدقاءُ

ويَلْمَعُ ما بينَ أعْيُنِهِمْ قَمَرُ الوَجدِ،

( هل عَبَقَتْ بالنَّيازِكِ هذي الفَراشاتُ

هل رَكَضَتْ في سُهولِ الغَرام الغَزالاتُ

وانْطَلَقَتْ من إسارِ الجُمودِ العقالاتُ ؟ )

قالَ صديقيَ وَهو يُرْسِلُ عُصفورَةً حَوْل قلبيَ:

لَنْ يَطْمُسَ الفِكْرَةَ المُستفيضَةَ نَزْفُ الدِمّاءِ المُراقَةِ

هل تَطَأُ الخَيْلُ هذي البلادَ التّي سَكَنَتْنا،

وَيَرْتَسِمُ الوَجْدُ نَجْماً تَراءى

على ساحِلِ البَحْرِ

هل نَتَوَقفُ

أمْ نَكْتَفي بالبُكاءِ

ويَسْكُتُ فينا الكَلامْ ؟

هَلِ الصَّوْتُ يَبْعَثُ خَيْطاً من النُّورِ

يَسْتَبِقُ البَرْقَ،

هل يَنْفُثُ الرُّوح في جَسَدِ الرَّمْلِ

صَوْتُ الكَناري

ويَمْسَحُ عن حَدْقَةِ العَيْنِ تللَ الغَشاوة

أَمْ سَيُعَمِّرُ فينا الحُطامْ ؟

///

مُعادَلَةٌ صَعْبَةٌ يا صَديقي

ولكنَّها سَهْلَةُ الحَلِّ،

كيفَ يُعَشّشُ في شَجَرِ القَلْبِ هذا الأَنينُ

وكيفَ الهواءُ المحاصَرُ يَخْتَرقُ الرِّئتينِ

إلى مُهْجَةٍ لا تَنامْ.

///

على دَمِنا يَنْهَضُ الرَّمْلُ،

قُلْتُ: فَلْيَكُنِ السِّجْنُ جِسْراً

تَمُرُ عليهِ القَبائِلُ

حتّى يَزولَ الغَمامْ.

///

على الرَّمْلِ يَنْهَضُ مُنْتَفِضاً دَمُنا

قُلْتُ: يَرْسُمُ شَكْلاً لِصَحْوَتِنا

ومَدائِنَ للإنتفاضَةِ حينَ يُميطُ اللِّثامْ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى