تمرّد

أسماء الياس | فلسطين

قصة قصيرة

هند شابة جميلة، دعوني أسرد عليكم قصتها، سوف يرويها لكم، حبيبها وهو أيضا من سكن قلبها وتربع عليه،  أول مرّة أراها هذا اليوم أتذكره جيدا، لن أنساه ما حييت، كانت في طريقها لدكان العم فريد، صاحب الدكان الصغير الذي يعيش منه هو وعائلته المكونة من زوجته سميرة، وابنه فؤاد طالب الطب، وسميرة التي تدرس محاماة.

ذلك اليوم أتذكره جيدا، حيث ترتدي هند فستانا يجمع من الورود أجملها، ألوان متداخلة بشكل لافت، صادفتها عند مدخل عمارة الدكان، صافحتها وسألتها عن حالها وحال الأهل.

ردت بأدب وأكملت سيرها.

 نظرت إليها لكنها لم تلتفت رغم علمها بأن نظراتي لها تعبر عن محبة لو وجهت لصخر لصهرته، لكنها فتاة قوية، تعلم مشاعري نحوها وتتجاهلها، انتظرتها حتى خرجت من الدكان. عندها قررت بيني وبين نفسي أن أكلمها وأعبر لها عن مكنون مشاعري نحوها. وهذا ما كان. خرجت من الدكان وهي تحمل عدة أكياس من البقالة، ذهبت نحوها قاصدا مساعدتها، لكنها رفضت بلباقة لم أعهدها بأي فتاة، قالت:

 حملي خفيف.. أشكرك استاذ عارف.

في تلك اللحظة لم أعرف ماذا أقول لها. ذات يوم ذهبت لزيارة عمتي التي تسكن في البلدة المجاورة بعد خروجها من المستشفى بسبب حادث سير. وأنا أقطع الطريق لمحت هندا في الجهة المقابلة للشارع. ناديت عليها بلهفة المشتاق. التفتت نحوي وابتسمت. لم يكن لدي شك بأن ابتسامتها تلك تعبر عن سعادتها برؤيتي. أسرعت نحوها، لم أعبأ لحركة السير في الشارع. صافحتها بحرارة المشتاق، وبالتأكيد أنها تبادلني الشعور نفسه. فقد لمحت في عينيها سهاما اخترقت لواعج قلبي.

عاتبتها على اختفائها المفاجئ الذي أقلق مضاجعي. أخبرتني بدلال أنّها كانت في زيارة لخالها المغترب في ألمانيا فقد أصيب بحادث عمل… وكان لا بد أن أذهب للإطمئنان عليه، خاصة بعد موت زوجته، ويعيش وحيدا، فأولاده كل واحد منهم بمكان وأشغالهم الكثيرة تمنع منهم مساعدة الوالد بشكل مستمر ودائم. لكنك لم تغب عني لحظة، ولو أني أعرف رقم هاتفك لهاتفتك. وهنا كانت البداية التي لا تنسى.

يسأل جمال كلّ ساعة عن حبيبته هند التي هي أيضا صارت تفتقده، تبحث عن أي مصدر حتى تعرف أخباره. تطورت العلاقة حتى علم بها الأهل، الذين لم يظهروا أيّ ردة فعل.

لاحظ جمال وهند تغيرات في محيط عائلتيهما لكنهما لم يتطرقا لذلك الموضوع، استمرا على ما هما عليه، يتنزهان في البراري، يتسلقان الجبال، يقطفان الزعتر والمريمية، يلهوان بالطبيعة،  فبشائر الربيع قد بدأت تلوح.

اعتادت هند أن تقضي مثل هذا الوقت من السنة في أحضان الطبيعة. فالربيع غرامها. كيف لا وهي من مواليد شهر نيسان، شهر تفتح الأزهار؟ عندما تعرفت على جمال فإن أول ما لفت انتباهها أنه غير تقليدي،  رأته إنسان منفتحا متمردا… لا يعترف بقوانين البشر، وله قانونه الخاص الذي يسير حسبه. ولذلك أسبابه، فوالده إنسان مثقف واع، ربّى أبناءه على تحمل المسؤولية منذ الصغر، ممّا جعله يعتمد على نفسه رغم كل ما صادف في حياته من سقطات خرج منها بنجاح، فجمال شاب طموح يهوى العزف على الأرغول، ويهوى السفر والبحث عن المجهول. محبته لهند صعبة المنال، لكنه ذلل الصعاب وكسب قلبها فبادلته الإعجاب بإعجاب.

أمّا هند فتعتبر نفسها أكثر الفتيات حظا منذ ولادتها التي جاءت بعد ثلاثة أبناء. لذلك وجدت نفسها طفلة مدللة، تربت في كنف عائلة لا تفرق بين ولد وبنت، كلهم سواسية، وهذا الشيء أثر على شخصيتها وعلى تعاملها مع الغير، فكانت الفتاة المحبوبة لدى كل من عرفها وتعامل معها.

وجاء اليوم الذي اتفق به جمال وهند على مفاتحة الأهل بأن زواجهما أصبح أمرا مفروغا منه، ويجب الإعداد له على أحسن وجه… فحلم جمال وهند أن يكون زواجهما غير تقليدي؛ حتى يكسرا تلك العادات والتقاليد التي أصبح أغلبية الناس بسببها يفنون حياتهم مدينين.

واتفقا أن يقتصر حفل الزفاف على الأهل والأصحاب والأقارب المقربين جدا، وهذا ما حصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى