جهل وفساد واحتلال يحيطون بالكورونا وباللقاح!!
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
ابتلي الشعب الفلسطيني بجائحة الكورونا من عام ونيف، وأوقفت وعطلت أحيانا كثيرة، مظاهره الإجتماعية والحياتية والدراسيه المدرسية والجامعية والدينية والإقتصادية والقضائية والحكومية. وكان البلاء الفلسطيني امتدادا للبلوى العالمية أجمع، بغض النظر عن الدين والعرق واللغة والجنس والمال والرأي والضمير السائد في منطقة ما. وكأن الشعب الفلسطيني ينقصه بلاوٍ ومصائب تطال أرواح أبنائه وبناته. ومما يزيد الأمر سوءا أنه لا تبدو في الأفق القريب علامات أو إشارات لنهاية هذا الوباء الذي حصد أرواحا بريئة وكثيرة لا محليا ولا دوليا سوى اللقاح المتعدد الجنسيات المكلف، والذي يتعرض لموجة نقد وتشهير كبيرتين.
رافق هذا البلاء الكوروني الجديد كليا جهل مطبق في مسببه وكيفية معالجته، وسردت خيالات ومؤامرات من حركات وجمعيات كالماسونية وأشخاص كبيل جيتس لتعزيز رؤية استعمارية لإبادة شعوب أو طبقات أو حتى شعوب. وكأن كل فرد منا مؤهل لإبداء الرأي في قضية لم يستطع العلماء المختصون إبداء رأي قاطع فيها لحداثة هذا الفيروس وتغيره في موجات متلاحقة. وغدا كل فرد فلسطيني دارس وخريج واحدة من كليات المهن الطبية ويعرف الفرق الدقيق بين الفيروس والبكتيريا بل ويفتي فيه.
وزاد في هذا الجهل المطبق وتعميقه، وجود ساحة التواصل الإجتماعي الواسعة على مصاريعها، وفتحها منابر لكل من هب ودب بل لكل جاهل ليدلي بدلوه في هذه الجائحة وفتواه في هذا الشأن الطبي الشديد التعقيد والحداثة. بل وصل الأمر إلى حد الإنكار للكورونا برمتها من مجموعة من الأطباء المزعومين مرفقين بشهادات ووثائق وفيديوهات وصور تؤيد وجهة نظرهم. ففي حين بلغ وفيات الكورونا العالمية أكثر من مليونين ونصف في الإطار العالمي، ومائتي ألف إصابة وألفا وفاة في فلسطين، عدنا لنظرية المؤامرة والنظرية الشوفينية وكأننا الوحيدون المستهدفين بهذا الفيروس اللعين، وضاع الإنسان الفلسطيني في ظل هذه الموجات المتلاحقة بين مؤيد ومنكر، بحيث ضل الطريق القويم، وغدا نهبا للشائعات القبلية والدينية والصحية والفكرية ، مستمرا في دفع ثمن إنساني لا يقدر بثمن.
رغم أن هذه الجائحة عمرها أكثر من عام وكان من المفروض أن تضمحل أو أن تتقلص بدرجة كبيرة بطريقة أو بأخرى وبخاصة أن بداياتنا كانت مشجعة جدا، إلا أنها هذه الأيام عادت لتشكل خطورة كبيرة على هذا المجتمع الفتي. فلا مناعة قطيع اكتسبنا ولا تطعيمات حصّلنا ولا تراجع للجائحة مررنا، وفقدنا الغالي والنفيس، بينما دولة عملاقة بكل مركباتها كالصين استطاعت أن توقف هذا البلاء وتحجمه. ولا ننسى أن دولا صغيرة استطاعت أن تنهيه وتتغلب عليه بقرارات جريئة مثل نيوزيلندا. وحري بنا أن نقلد تلك الدول وبخاصة أن ممرات عبورنا ومخارجها محدودة جدا بل محصورة بمعبر واحد.
صاحب هذا الجهل استهتار من كثير من أفراد الشعب الفلسطيني بالكوفيد 19 وبآثاره، واخترعنا المشاريب الساخنة بكل مذاقاتها، وحلفنا الأيمان أنها الترياق الشافي. لكننا بقينا نتدهور، فاقمنا الأتراح والأفراح وصالاتها، وفتحنا بيت العزاء وساعدنا على نشر الجائحة بينا بدل وقفها وبعضنا قلصها إلى يوم واحد وقليل منا أوقفها كليا واكتفى بوسائل التواصل الإجتماعي والهاتفي. فعاداتنا الإجتماعية الدافئة لا تسمح بالإبتعاد الإجتماعي كنهج للتواصل، بل استبدلته حتى في هذا الظرف القاسي بالتقبيل والعناق وأقلها المصافحة في الفرح والترح. ناهيك عن الأماكن المغلقة، والجلسات كبيرة العدد، وعدم ارتداء الكمامات والزيارات. ويبدو أن الحكومة الفلسطينية استسلمت للهذا الوباء ولم تنفذ الإجراءات الواجب القيام بها خارقي التعليمات مهما كان موقعهم ومكانهم ، وبخاصة أن الإمكانات الفلسطينية المالية والصحية محدودة للغاية.
وساعد في استمرار الجائحة بكل آثارها الحزينة الطبية والإقتصادية والنفسية التي لا نعرف مقدارها بدقة إلى يومنا المقولة الجبرية والقدرية، والإستسلام لها وعدم الأخذ بالأسباب والعلل. فكل شيء مقدر سواء اجتمعت وخرجت من البيت أو مرضت أو عطست أو عانقت أو صافحت، فكل ذلك لا يهم، فكل شيء مقدر ومحتوم مسبقا ولا يمكن أن تتجنبه مهما اتخذت من احتياطات لا طائل تحتها. وروج لهذا الأمر الكثيرون من منطلق ديني مع أن الدين لا يقبل هذه المقولات النافية للأسباب.
حتى بعد بذل جهد كبير من مختبرات طبية لاختراع مصل واقٍ من الكورونا ومشتقاتها، خرج علينا الكثيرون بحملة تشكيك في هذا المصل الواقي. ووصل الأمر إلى قصص مبتكرة وخيالات جامحة وشرائح إلكترونية وآثار جانبية خطيرة للمصل. وكأن أي دواء عادي يخلو من الآثار الجانبية أو أن الأمصال التي نستعمل هي سليمة مائة بالمائة.
وهذا حدا بشريحة واسعة من عرب الداخل وعرب القدس إلى الإمتناع عن التطعيم بهذا المصل الواقي. الغريب والعجيب أن شعوبا تتوق للحصول على هذا المصل الواقي ونحن نرفضه، وكأننا الوحيدون المستهدفون به وقد أعد خصيصا للقضاء علينا دونا عن شعوب الأرض قاطبة. حكومات كاملة وطواقم طبية ومفكرون وفلاسفة يتطعمون بل يسعون إليه جاهدين، ونحن نرفضه ونعرض أنفسنا لخطر داهم متخوفين من خطر مزعوم .
وقد كان من الواجب عملا بقانون لاهاي لعام 1907 وجنيف لعام 1949 ومواثيق حقوق الإنسان أن تتولى السلطة العسكرية الإسرائيلية المحتلة بتزويد الشعب الفلسطيني باللقاح وفاء منها لإلتزاماتها الدولية عملا بالقانون الدولي الإنساني. ولما لم تقم السلطة المحتلة بواجبها كان من الواجب مطالبتها بذلك الإلتزام وأن لا يترك جانبا عملا بوجود دولة فلسطينية، فهذا الوجود السيادي القانوني النظري لا ينفي الإحتلال الإسرائيلي وواجباته العملية وتزويد اللقاح.
وزاد الطين بلّة ما نشرته ” أمان ” ( منظمة الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة ) من وجود مظاهر فساد متعلقة بمطعوم الكورونا حتى قبل وصوله بكميات كبيرة، وكأنه ناقصنا مصائب. فقد ذكرت هذه المنظمة أن هناك حالات ومحاولات عديدة من أشخاص لتخطي للخطوات المرسومة للحصول على اللقاح بدل التزام الإجراءات المرسومة لتطعيم المهن الطبية وكبار السن والمرضى. وإن عدم شفافية الحكومة وعدم نشر المعلومة الصحيحة وعدم محاسبة من أخذوا اللقاح بدون وجه حق سيؤدي إلى البلبلة الشعبية والفساد والمحسوبية وتجاهل المصلحة العامة. وطالبت ” أمان ” بتشكيل لجنة من الخبراء لكيفية توزيع اللقاح في حالة وصوله منعا لانعكاسات خطيرة على المجتمع الفلسطيني ودرءا للواقع الوبائي الخطير في فلسطين وتحقيقا للمصلحة العامة ونفيا للمصالح الخاصة.
محاربة الكورونا يجب أن تكون ذاتية أولا ، وبخاصة أن وسائلها من تباعد اجتماعي وعدم مصافحة وعناق غدا أمرا معروفا. وثانيا على عاتق الإحتلال الإسرائيلي. وبالتالي الحصول على اللقاح وتوزيعه ضمن الترتيبات المقبولة عالميا أمر مطلوب ومرغوب بدون أي تمميز. ويجب أن يكون ذلك مفتوحا لوسائل الميديا المختلفة، وللرأي العام للمراقبة والشكوى. وحق الحصول على المعلومة مضمون ومصون فكل امرىء يصنع قدره بنفسه