أم الدفء والذئب الغاضب

محمد عبد الباقي | مصر

حدث هذا منذ سنين كثيرة ؛ وكان إذ ذاك طفلا ذا سنوات ست – أو ما حولها – وكان الوقت شتاء قارصا جدا ، هبت ريح باردة أخذ جسده النحيل يرتعد على إثرها ارتعادة صاحبها ألم واخذ أسفل عنقه..؛ مع اصطكاك أسنانه وانجماع كتفيه ؛ وإذا بها – وقد “أشعل” المشيب فوديها – تنزع عنها ملفعتها وتلف بها حول رأسه ورقبته وأذنيه فهدأت ارتعادته وغاص سريعا فى نوم دافئ ؛ حلم فيه بأنها تمسك “أم الدفء” تناوله إياها ، قال لها مغتبطا دهشا :
لى وحدي كرة الشمس..؟!!

(( قالت يا ولدى ذى روحى ؛
هى شمس ،
خذها كى تدفأ أكثر..!! ))

كان اليوم الأول لى حين انتظمت بالمدرسة ؛ ومن غيرها يصحبنى ويصاحبنى فى غربة الطريق كل يوم عند الذهاب وعند الإياب..؟! ؛ ولما وزعوا الأطفال على الفصول وجلست فى مقعدى وآلمتني الوحشة..؛
بكيت…
وظللت أبحث بعيني عنها فلما لم أجدها ؛
بكيت……
وكأنها أحست ببكائى إذ مر وقت فإذا بالباب قد توارب وإذ بها تنظر إلي وتحتضنني – بعينيها – قلت لها يا أم الدفء اقتربي، فهمت بالاقتراب؛ فتضاحك رجل يحمل عصا علمت فيما بعد أنه “الأستاذ” و ( حال بقسوة بيني وبين أمي ) ؛
فبكيت…..
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
ثم كان ما كان من حديث السنين ، وعاشت رجال وماتت رجال.. وكبرت وكبرت أمي معى ونسيت الأيام ونسيت من حال بيني وبين أمي ونسيت غلظته وقلبه الذئبي…
حتى ظننت أن لن يعود ذلك الذئب أبدا..!!
فتلهيت فى الطمأنينة الكاذبة ،
….. …… …….
وذات ليلة شتاء قارس هبت ريح باردة أخذ جسدي النحيل على إثرها يرتعد… ؛
وأقبل الذئب – وقد طار الشرر من عينيه –
وأخذ ينزع عنها روحها
ف(حال بقسوة بيني وبين أمي) فغابت الشمس ؛ غابت أم الدفء..؛ فأظلمت الأرض…؛؛
وعلمت بأخرة أن :
“الذئب الغاضب كان الموت”
فبكيت……،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى