سوالف حريم.. طاحونة ستي
حلوة زحايكة | القدس – فلسطين
وقد كانت المرحومة جدّتي كما النّملة، تعمل بجدّ واجتهاد، وقد كان لديها طاحونة حجرية يدوية، وهي تستعمل “لِجَرْشِ” حبوب القمح والعدس، كي يُعمل منها “شوربة جريشة” لعمل الفتيت منها، وطاحونة ستّي عبارة عن حجرين دائريين متساويي القطرين، ولا يزيد قطر الواحد منهما عن نصف متر، وهما مصنوعتان من الحجر المزّيّ الصلب الذي لا يتآكل، يوضع في نقطة ارتكاز الحجر السفلي عند ملتقى قطري الدائرة مسمار معدني صلب، بينما يحفر في نفس المكان من الحجر العلوي حفرة دائرية نافدة بقطر لا يتجاوز سبعة سنتميتر، وعندما يتطابق حجرا الطاحونة يخرج مسمار القطعة السفلى من هذه الدائرة، حيث توضع الحبوب المنوي جرشها في هذه الدائرة، ويُحرّك الحجر العلويّ بقطعة خشبية أو معدنية يجري تثبيتها على القطعة الفوقية، وكانت جدّتي –رحمها الله- تجلس على الأرض وهي تثني رجلها اليمنى الى جسدها، وتمدّ رجلها اليسرى أمامها، ، واضعة الطاحونة على قطعة من “المشمّع” المقوّى أمامها، وتمسك يدَ الطاحونة العلوية بيدها اليمنى، بينما تغرف العدس أو القمح المنوي طحنه بيدها اليسرى، تضعه في فتحة الحجر التي تتوسطه، وتلف قطعة الطاحونة العلوية بيدها اليمنى، فيخرج الحبّ مطحونا ومكسّرا، ثم تقوم بطبخه على النار، وتكون شوربة العدس أو القمح الشّهية، والتي كان يعمل منها الفتيت كما المناسف، ومعروف أنّ العدس يعتبر لحم الفقراء، لما يحويه من بروتينات حديديّة، ومن الطريف أن جدّي -رحمه الله- توفي وهو يحدثنا عن المواد الحديديّة الموجودة في العدس، حتى وصل به الخيال أن يعتبر الذي يُكثر من العدس يصبح له جسد حديديّ، حيث أنّ أحد الأشخاص الذي أجريت له عملية جراحية في بطنه، كُسِر مشرط الطبيب وهو يفتح البطن لأن جِلْدَ الرجل كان حديديّا! وبيني وبينكم أنا أعتبر رواية جدّي صادقة، فهذا ما يعرفه