قراءة أولية في نتائج الإنتخابات الإسرائيلية!
المحامي إبراهيم شعبان | القدس- فلسطين
جرت يوم الثلاثاء الموافق 23/3/ 2021رابع انتخابات إسرائيلية في سنتين، وفي ظل عجز حكومي مستمر وعدم إقرار موازنة للدولة ونمو اقتصاد متراجع. وصرف على هذه الإنتخابات من مال الشعب المحتاج، أكثر من أربعة عشر مليار شاقل جديد. وتنافس فيها ثلاثة عشر حزبا إسرائيليا من أصل 39 حزب سجلوا كمرشحين، حتى كهانا وجماعته وجدوا لهم مكانا ومشجعا فيها. وغاب اليسار الإسرائيلي المزعوم والوسط، وسادت اليمينية الإسرائيلية بكل شخوصها وأجنحتها. وخلت هذه الإنتخابات من المنافسة الموضوعية فقد كانت تجليات للمنافسة الشخصية وبخاصة محاكمات نتنياهو وتهم فساده وسذاجة بيني جانتس السياسية. وبالتالي استبعدت القضية الفلسطينية من جدول الأحزاب المتنافسة في ظل تطبيع عربي مهزوم مشؤوم. وانقسم عرب الداخل إلى أكثر من جناح ، بقي منها جناحان ” المشتركة بكل عناصرها الثلاث، والموحدة كممثلة للحركة الإسلامية ” بعد انسحاب معا لصالح المشتركة. وهما لم تكلفا أنفسهما توقيع اتفاقية فائض أصوات فيما بينها، تحت حجج وذرائع مختلفة بل سخيفة، فيما وقع الليكود اتفاقية فائض أصوات مع حزب ” الصهيونية الدينية ” من أجل إنجاح سموتريتش وكهانيته وعدم حرق اصواته في مقابل دعمه المستقبلي المتوقع لنتنياهو.
ولعل الحقيقة الوحيدة الطافية على السطح أن هذه الإنتخابات جرت في ظل تراجع وباء الكورونا، بل في ظل تطعيم أكثر من نصف الشعب الإسرائيلي، وتراجع الوفيات والحالات الخطرة من المرض. وفي المقابل تم فتح المحلات العامة والحدائق العامة والبرك والفنادق وشطآن البحار. وقد سعى نتنياهو بكل قوته لتحقيق نصر ولو صوري على الكورونا ومشتقاتها وكأنه عراب ذلك الإنتصار من أجل كسب أصوات الجمهور.
وجاءت النتائج مشابهة للنتائج النيابية السابقة، فهناك عجز واضح للفرقاء المتنافسين في تشكيل حكومة مستقرة وفق النتائج المعلنة لساعة كتابة هذا المقال. لكن النكسة كانت للصوت العربي ومدى تأثيره، وحجم القوة العربية في الكنيست، وتمزق القائمة المشتركة، وانتظار القائمة الموحدة ما يقارب اثنتي عشر ساعة حتى تعبر نسبة الحسم وتحصل ما بين أربعة مقاعد إلى خمسة.
هذه نقطة يجب التوقف عندها، ألا وهي موضوع مبدئي من حيث القبول بالمشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلية أم مقاطعتها، في حين أن هناك قبولا بالمشاركة في الإنتخابات المحلية ترشيحا وانتخابا. فإذا تقرر القبول بالمشاركة على سبيل الجدل فغيرمقبول البتة نسبة المشاركة في التصويت المنخفضة في حين أن نسبة المشاركة في المجالس المحلية تتجاوز الثمانين بالمائة بل تصل أعلى أحيانا . هذه نقطة تمزق المصلحة العربية في الداخل بل تضرها ضررا جسيما بل تحجم فائدة المشاركة . ليس مطلوبا تحقيق الإجماع لكن موقف الداخل الفلسطيني من هذه القضية أساسي، يرتبط به نسبة المشاركة الكبيرة حتى تعطي الخطوة أكلها. فمثلا الحركة الإسلامية الشمالية تقاطع الإنتخابات النيابية ولها حججها، أما الحركة الإسلامية الجنوبية فتقبل بها ولها حجها. وقس على ذلك الأحزاب الأخرى وهذا موضوع واسع ووطني وفلسفي وآيدولوجي وعملي أي براغماتي.
فمثلا بالأمس تراجعت نسبة التصويت العربي إلى أقل من خمسين بالمائة ( 48%)، بينما تعدت الستين بالمائة في الإنتخابات الأخيرة. وفي المقابل تعدت نسبة التصويت العامة 67% ، أي أن هناك فارق يقدر بنسبة عشرين بالمائة في المجتمع العربي. وإذا علمنا أن نظام التمثيل النسبي قائم على عدد الأصوات المشاركة بتقسيمها على عدد مقاعد الكنيست، لفهمنا سبب تراجع حجم المقاعد العربية من خمسة عشر مقعدا إلى حوالي عشرة، وهو تراجع كبير بدل التقدم. وهذا يضر بالقضية الداخلية الفلسطينية وتقدمها على صعيد التخطيط والعنف والميزانيات. بل هذا يضيء الدعوة للمشاركة الفعالة وعدم جدوى المقاطعة، ذلك أن الإمتناع عن التصويت، يعني حقيقة وعلى أرض الواقع انتخاب الخصم عبر هذا الموقف السلبي.
يتبين من المشاركة المحدودة للجماهير العربية في الداخل أن القائمة المشتركة حصلت على مئتي ألف صوت بينما حصدت القائمة الموحدة على مائة وستين ألف صوت تقريبا. وهذا قد يغير قواعد المشاركة المستقبلية فيما لو قامت من جديد بين أطياف المجتمع العربي وأرادت تشكيل قائمة وفق قوتها النسبية. فالقائمة المشتركة التي تتألف من ثلاثة أحزاب حصدت 60% من اصوات المجتمع العربي بينما نال الموحدة 40% تقريبا، والباقي أخذته الأحزاب الصهيونية كالعمل وميرتس حتى شاس والليكود.
المفاجأة الوحيدة كانت في عبور الصهيونية التوراتية بممثلها سموتريش وبن غفير الكهاني المتحدان في قائمة واحدة المدعومان ليكوديا من أجل التوصية على بنيامين نتنياهو لمنصب رئيس الوزراء. وما علموا أن هذا أمرا بعيد المنال وفق النتائج الأخيرة. فحتى لو انضم بنت إلى نتنياهو والأحزاب الدينية وسموتريش، فلن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة تنال ثقة الكنيست. ومن هنا يلعب دورا حيويا القائمة الموحدة برئاسة الدكتور منصور عباس.
من هنا بدأ غزل شديد بين اليكود ورئيسه وأعضائه بالقامة الموحدة لأنها ستشكل بيضة القبان في هذا التشكيل. حتى أن يش عتيد برئاسة يائير لبيد لطلب مقابلة مفتوحة معه. وبالمقابل أعلن نتنياهو أنه منفتح على الجميع ولا يضع فيتو على أحد في صدد تشكيل حكومة مستقرة، وكأنه يعيد المحاولة التي استعملها مع جانتس قبل عام من الزمن.
وفي تقديري أن المجتمع الإسرائيلي مقدم على انتخابات خامسة في شهر أيلول من هذا العام في ظل صعوبة تشكيل حكومة تنال ثقة الكنيست. فموقف منصور عباس ليس بهذه السهولة وبخاصة انضمامه أو تأييده لحكومة نتنياهو سواء من الداخل أو من الخارج. فسيكون موقفه بغاية الصعوبة تبريره أمام جماهيره لمثل هذا التأييد أو الإنضمام. وبالمقابل سيكون نتنياهو شديد الحرج أمام شركائه مثل بينت وسموترتش في قبول مثل هذا الأمر.
يبقى السؤال الحائر والصعب، هل يعقل أن يعود جدعون ساعر لقواعده الليكودية وينضوي تحت راية بنيامين نتنياهو الذي ما انفك يهاجمه إلى أبعد حد. أما الساذج جانتس فيستبعد أن يعود لحضن نتنياهو والليكود. أما الأحزاب الدينية فهي حسمت نفسها في كيس نتنياهو منذ زمن للإستمتاع بالمزايا التي قدمها لهم.
وبالمقابل،هل تشكيل الحكومة مقتصرعلى نتنياهو، فهل يستطيع يائير لبيد أن يكسر هذه المقولة، ويجمع المتفرقات المتناقضة الإسرائيلية الحزبية تحت سقف واحد هو سقف ” هناك أمل ” ” يش عتيد ” ويقصي نتنياهو من سدة الحكم. هناك إمكانية نظرية لكن على أرض الواقع كيف ستجتمع المشتركة وتقبل العمل مع جدعون ساعر وليبرمان اليمينيان والمناهضان للفلسطينيين العرب والعكس صحيح.
رغم أن الفرز النهائي للاصوات لم يتم بعد، إلا أنه بعد فرز أكثر من تسعين بالمائة من الأصوات لن تتغير الخريطة السياسية بشكل جوهري. ويبدو تشكيل حكومة إسرائيلية مستقرة تنال ثقة الكنيست بعيد المنال بل أقرب للإستحالة، ولم يعد التناوب في رئاسة الحكومة مقبولا، فكل الأحزاب لم تتجاوز عشرة مقاعد سوى الليكود ويش عتيد وكل منهما طامح في تشكيل حكومة لوحده. ويبدو أنهم ذاهبون لانتخابات خامسة وأعباء مالية جديدة رغم تنفسهم الصعداء جراء الكورونا. فهذه الإنتخابات درس قاس للأحزاب العربية جمعاء بنتيجة هزيلة، بل أوشكت ان تحرقها ولا تجتز نسبة الحسم، فمن طمع في الفوز في كل شيء خسر كل شيء!