الخيار الإبداعي عند شاعر المقاومة أشرف حشيش ج ١

ثناء حاج صالح | شاعرة وناقدة سورية

لا ينبغي لنا قراءة التجربة الإبداعية التي يخوضها شاعر المقاومة الأستاذ أشرف حشيش دون الانتباه إلى الوشائج التي تربطها بالتاريخ الإبداعي لشعراء المقاومة الفلسطينية . فالإرث الثقافي الضخم الذي خلفه شعراء المقاومة الداخلية على مدى نصف قرن ونيف، يمتلك من الهيمنة والتأثير ما سيمكنه على الدوام من التدخل المبكر في صقل مواهب الشعراء الجدد والتدخل في تشكيل الأرضية التي سينشئون عليها تجاربهم الإبداعية الجديدة . وهو ما يقلص فرصهم في امتلاك الخيارات اﻹبداعية التي تتجاوز ذلك الإرث.
ويجمع النقاد على أن ثلاثي المقاومة الفلسطينية الداخلية المكون من محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم قد أصلوا مضامين شعر المقاومة ووسموها بسماتها التي ما انفكت عنها بعد ذلك . ومن أهم هذه السمات التحدي و والتشبث بالأرض واليقين بأن البقاء فيها والحفاظ على ذاكرتها يمثل جزءا من الانتصار.
على أن الانتباه للوشائج الممتدة من ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا لا يلغي ملاحظة ما يحاول كل شاعر أن يضيفه من مميزات إبداعية خاصة بشخصيته الشعرية .
والشاعر أشرف حشيش يعد اليوم من الأسماء البارزة في مجال السبق الإبداعي للشعر الفلسطيني المقاوم . وهو وإن كان لم يطبع بعد أعماله الإبداعية ورقيا إلا إن حضوره الإبداعي المميز في المواقع والمنتديات الثقافية والأدبية غير خاف .
له ديوان مطبوع في دار إبداع بالقاهرة طبعته الدكتورة هدى عطية أستاذة النقد الأدبي بجامعة عين شمس عام ألفين وأربعة عشر بعنوان : هنا شمخنا صغارا
يقع في مئتي صفحة من القطع المتوسط 20 /10
ولعله بدأ بنشر أولى قصائده في عام 2007، ثم إنه شق طريقا إبداعيا بدأت تتضح معالمه الشخصية تدريجيا ليصل إلى تلك الدرجة التي تمكن قارئه من تمييز نصه حتى دون أن يقرأ اسمه.
وفي هذه القراءة للخصائص الفنية في شعره نحاول استكشاف الخيارات الإبداعية التي امتلكها الشاعر حقا، والتي فارق بها موروثه الثقافي من شعر المقاومة .
والمقصود هنا بالخيارات الإبداعية تلك الخصائص التي ميز بها شعره مخالفا من سبقه من شعراء المقاومة ومتملصا من بعض تعاليمهم .
ويمكننا تقسيم هذه الخيارات الإبداعية بردها إلى مستويين اثنين:
أولهما مستوى الشكل الإيقاعي ، وثانيهما المستوى الأيديولوجي.

أولا: مستوى الشكل الإيقاعي.
اعتمد شعراء المقاومة جميعا ،مع استثناءات ضعيفة، على شعر التفعيلة أساسا وفي الأعم الأغلب. كما لجؤوا إلى (الشعر المنثور)ثانويا.
ويشمل ذلك محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وعز الدين المناصرة وأحمد دحبور ومريد البرغوثي وسواهم .
وفارقهم الشاعر أشرف حشيش باعتماده الشعر العمودي أساسا مع بعض القصائد المبكرة التي اعتمد فيها إيقاع التفعيلة .
ونستطيع تبرير الاعتماد على شعر التفعيلة عند شعراء المقاومة السابقين،بحكم المرحلة التاريخية التي نمت فيها جذور شعر المقاومة والتي شهدت ظهور وسيطرة تيارات الحداثة في الأدب عموما والشعر العربي خصوصا. ومنها تيارات الشعر الحداثي بشكليه التفعيلي و(المنثور).
وقد أثرت الحداثة في جميع المعايير الفنية للشعر (شكلا ومضمونا ). وساهمت إلى حد كبير في الوصول إلى المستوى الرفيع من الشاعرية والموسيقية والبساطة التعبيرية ، هذه الخصائص التي مكنت شعراء المقاومة الفلسطينية من حفر تأثيرهم في وجدان المتلقي العربي وذائقته.
وفي محاولة تبرير خيار الشاعر أشرف حشيش في تبني الشكل الإيقاعي القديم لقصيدته المقاومة، متجاهلا الشكل الإيقاعي الضارب عميقا في البنية الفنية لهذه القصيدة والذي كان أحد أسباب نجاحها ، يمكننا القول إن المخالفة بحد ذاتها هنا تمثل تحديا ذاتيا يتحدى به الشاعر نفسه. بحيث أنه يقيد نفسه بالمزيد من الشروط التي اعتبرها سابقوه معيقة للتعبير ، ثم يدفع بعد ذلك بتجربته الإبداعية إلى مضمار السباق الإبداعي.
ومع تمكن الشاعر من الشكل التفعيلي ،قد يكمن السر في الرغبة الحقيقية لدى الشاعر بمخالفة سابقيه، فضلا عن قناعته بأصالة الشكل العمودي ،وضرورة تمسكه بهذه الأصالة التي يحترمها ويتمسك بها ليكون أقرب إلى الذائقة العامة التي يعول عليها في خطابه الشعري المباشر.
ولا شك أن الشكل التاريخي الأقدم أقوى من الناحية الخطابية وأجدر بأن يتفاعل مع القضية تفاعلا أصاليا يتصل مع القيم والعقائد الثابتة غير المهتزة التي حمل مضمونها في عهود القوة .لا تفاعلا رجراجا مختلطا بهزالة القيم وضياع الثوابت العقدية كما هو الحال في خلفيات الشعر الحداثي .
نحن هنا نكاد نربط بين الخبار الإبداعي للشكل الإيقاعي و الخيار الأيديولوجي عند الشاعر. والأمر كذلك حقا – كما أراه – في بعض جوانبه. وليس هذا تحليلا كاملا لجميع أسباب الشاعر. ولكنه يبقى مجرد استناج محتمل . إذ لا يمكننا إثباته وتأكيده بالاستقراء المباشر للنصوص ،ولكنه يبدو من التوجه العام للشاعر في المضامين الفكرية لنصوصه.
والأفضل لنا توجيه الدعوة للشاعر نفسه ليجيب بنفسه عن السؤال المتعلق بخيار الشكل الإيقاعي العمودي لشعره إجابة دقيقة .
ونعود نحن إلى تحليل خياره الإبداعي على المستوى الأيديولوجي انطلاقا من شعره المتسم بالوضوح والمباشرة في استعراض مضمونه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى