ثَمَرُ العَروض

د. عمر خَلُّوف | الرياض
قِفْ في حِمَى الشعْرِ الأصيلِ المُخْصِبِ
وانْعَمْ بِوَبْلِ جَمالِهِ المُتَسَكِّبِ
واملأ خَيالَكَ من سُمُوِّ حُروفِهِ
وجَلالِهِ وخَيالِهِ المُتَوَثِّبِ
واسكُبْ بقلبِكَ حكمةً تسمو بِها
وتَغَنَّ بالمَعْنَى الشريفِ الأطْيَبِ
وتَمثَّلِ اللفْظَ الجليلَ وخُذْ بهِ
ودَعِ السّفاسِفَ للغَبيِّ الأجرَبِ
||
مَدَّ (الطّويلُ) على الممالك ظِلَّهُ
وعَلا بِذِكْرٍ في البحورِ مُطَنِّبِ
وشَآهُ في دار الملوكِ شقيقُهُ
بحرُ (البسيطِ) بِمُزْنِهِ المُتَصّوِّبِ
مَلِكانِ حازا رأسَ كلِّ فَضيلةٍ
وتَسَنّما في الشِّعْرِ أرفَعَ مَنصِبِ
||
وأنافَ من خَلَلِ الأصالةِ (كامِلٌ)
وَزَها بشِعْرٍ كالغَمائمِ صَيِّبِ
آخاهُ في دارِ السِّيادةِ (وافِرٌ)
جَمُّ العَطاءِ بكلِّ لَحْنٍ مُطرِبِ
مَلَكا نِصابَ الحُسْنِ واخْتالا بِهِ
شِعْراً كَمنضودِ العَقيقِ مُثَقَّبِ
||
وسَرَى (الخفيفُ) على اللَّها مُتَهادِياً
جَرْيَ النُّعاسِ على عُيونِ المُتْعَبِ
وأدَلَّ (مُنْسَرِحُ) البحورِ بلَحْنِهِ:
كلُّ البُحورِ الغُرِّ لم يَلْحَقْنَ بِي
||
ولَكَمْ تَغَنَّى في المَحافِلِ مُنشِدٌ
(هَزَجاً) تَغَزَّلَ بالرَّبابِ وزَيْنَبِ
وتَراقَصَتْ (رمَلاً) حُروفُ قَصائدٍ
ومُوَشّحاتٍ كالبُروقِ الخُلَّبِ
وشَدا الحُداةُ بكلِّ قَولٍ مُغْرِبٍ
(رجَزاً) أتَى بالمُستَلَذِّ المُعْجِبِ
||
ومَشَى على حَلَباتِهِ (مُتَقارِبٌ)
مُتَخايِلاً مثلَ العِتاقِ الشُّزَّبِ
وتَلاهُ في جَرَيانِه (مُتَدارَِكٌ)
مُتعَثِّراً يبغِي لَحاقَ المَرْكَبِ
فَشَآهُ في (سِفْرِ البُحورِ) (دَعِيُّهُ)
(خَبَبٌ) أتَى في النّظْمِ أيْسَرَ مَطْلََبِ
||
وامتازَ عَن دَعْوَى البسيطِ (مُخَلَّعٌ)
وأدَلَّ مُفتَخِراً بِلَحْنٍ طَيِّبِ
وأطَلَّ من خَلْفِ السَّوابِقِ (لاحِقٌ)
يَعدو كَراكِبِ مَتْن صَهوةِ سَلْهَبِ
||
وجَرَى (السّريعُ) مُحاذِياً أقرانَهُ
كالعادِياتِ تَمرُّ مَرَّ الكَوكَبِ
أسَرَتْهُ (دائرَةُ الخليل) بشُبْهةٍ
ومكانُهُ أفُقُ الفَضاءِ الأرحَبِ
ورَمَتْ على (المُجتَثِّ) عِبْئاً مُثْقلاً
وأَرومَتاهُ منَ (البسيطِ) الأعْذَبِ
قد أورثَتْهُ على المَكارِهِ عَنْوةً
وتداً (تفَرَّقَ) مَشْرِقاهُ لِمَغْرِبِ
||
قالوا: (المديدُ)، فقلتُ: صَعْبُ المُرتَقَى
نَمَطٌ مُخيفٌ -قِيلَ- وَعْرُ المَركَبِ
ألقوهُ في دارِ المُلوكِ مُقَيَّداً
بِحِبالهم، وهُوَ النجيبُ الأرحَبي
||
يا حُسْنَ (مُقتَضَبٍ) تراقَصَ لَحنُهُ
حازَ الجَمالَ، فَفُزْ بِشِعْرٍ مُذْهَبِ
وامْتَحْ من (الدُّوبيتِ) خمرةَ وقْعِهِ
وأخِيهِ (سِلْسِلةِ) الغِناءِ المُطْرِبِ
واختمْ أفانينَ البحور جميعها
بِـ(مُضارِعٍ) كَزِّ الخُصوبةِ مُجْدِبِ
||
(أحَدٌ وعشرونَ) اقتَضَى تِبيانُها
لم تَجتمعْ لِسوى اللسانِ اليَعْرُبي
فاعْضضْ على (ثَمَرِ العَروض) نواجِذاً
إن كنتَ من أهلِ الفَصيحِ المُعْرِبِ
واسْتَسْقِ من لُغَةِ القُرانِ مَذاهِباً
تسمو بِها، إن كنتَ تَعْشَقُ مَذْهَبي
||
د.عمر خَلُّوف 
الرياض 21/03/2019م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى