الإخوان المسلمون: قوة الإرادة في اتهام العقل
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
دوماً يقال بأن الإرادة قوة: قوة أن تريد وتصمم على ما تريد، حتى تفعل ما تريد، أو تموت في سبيل ما تريد. لكن تأملي الطويل في عناصر جماعة الإخوان المسلمين، كثيراً ما يقودني إلى رؤية قوة الإرادة هذه في تجليها السلبي، بحيث أسأل نفسي مذهولاً وحزيناً في آن: أيمكن أن تكون لكل قوة إيجابية معادلها السلبي؟ أيمكن أن تبلغ قوة الرغبة في تدمير الذات إلى هذا الحد؟ وإلا فكيف يستطيع العقل أن يتصور وجود أشخاص يسلمون آخرتهم ـ لا نسأل عن دنياهم فقد تخلوا عنها منذ زمن بعيد ـ إلى أناس لم يفكروا لحظة في احتمال أن يكونوا قد خدعوهم، فقادوهم إلى غضب الله فيما هم يظنون أنهم يقودونهم إلى رضاه؟
وعلى سبيل المثال: كيف يستطيع فرد من الإخوان المسلمين، أن يرى كل هذا الجوع لدى الفقراء، يصنعه لهم أغنياء اغتنوا من فقرهم، ويرفلون في النعيم، فيما الفرد من الإخوان يموت يومياً موتاً يجعله يحيا حياة أصعب من الموت، ثم لا يسأل نفسه: لم يعيش هذا خيراً مني، فيما يقول إنه يفعل ذلك في سبيل الله؟
أسبيل الله جميل لأناس إلى حد أن يتنعم أولادهم إلى هذا الحد، وصعب لآخرين إلى حد أن يموت أولادهم جوعاً إلى هذا الحد؟ ألا يمكن أن نتساوى في سبيل الله، فيزوجني ابنته الجميلة الناعمة ـ مثلاً ـ ويسكن معي في بيت المخيم، ويتناول معي إفطاراً من الخبز الجاف والهواء المشبع بالعفن؟
لا ريب في أن هذا الفرد المسحوق من جماعة الإخوان المسلمين، حين يمنع عقله من التفكير في هذه الاحتمالات والأسئلة، فإنما هو يمتلك إرادة حديدية، يستطيع باللجوء إليها أن يواصل عبوديته الدنيوية، وجحيمه الأخروي الذي من الممكن أن يفاجئه عند الشيطان، الواقف له هناك ويعلن له على الملأ أنه قد خدعه، وأنه سعيد بأنه قد حمله معه إلى النار، بقوة إرادة مقابلة لقوة إرادته.
إنها قوة الإرادة في شكل جديد.
أنت ـ يا عزيزي الشقي ـ قوي الإرادة، لا تتنازل عن حقك في مواصلة عبوديتك في الدنيا، وجحيمك في الآخرة.
أنت يا عزيزي مخلوق قادر على التشبث بإرادتك، دون أن تذكر أن هذه القوة كذلك مصنوعة بأيدي آخرين، صنعوا لك إرادتك ليستخدموك، فصرت شخصاً قادراً دوماً على رد كل الحجج العقلية القوية عن حصونك باتهام العقل.
إن أقوى حصون إرادتك في استسلامها للغير هو اتهام العقل.