عن الكفر والإيمان
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
سئلت عن التكفير وضوابطه. وهذا ما أعلم.
الإسلام أصول وفروع. فالأصل هو الإيمان، والفرع هو التطبيق. ولا يطردُ اليقين إلا يقين مقابل (مضاد).
أولاً: الإيمان هو الأصل:
الإيمان يقين، تصور يقيني غير متردد يستقر في القلب. وهذا التصور يسمونه “عمل القلب”. فمن استقر في قلبه التصديق بالإلٰه الواحد، والتصديق بكل ما بلغ به الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو عند الله المسلم، قبل أن يفعل أي شيء، وقبل أن ينطق بكلمة التوحيد.
ثانياً: الفرع هو التطبيق:
فالفروع هي الإعلان عما استقر في القلب، لأمرين:
1ـ لكي يعلم المجتمع أنك مسلم، ويعاملك بناء على ذلك.
2ـ لكي تطيع الأوامر الإلٰهية فتعمل وفق ما أمرك به يقين القلب.
وكل ما تؤمر به من الطاعات والعبادات هو من الفروع.
ثالثاً: لا يطردُ اليقين إلا يقين مقابل:
فمن أعلن أمامنا أنه مسلم، علمنا أنه مسلم. وحكمنا بإيمانه، دون أن نفتش في قلبه. مع أنه قد يكون كافراً غير مصدق قلبه بما يقول لسانه. فنحن يشر نتعامل مع البشر وفق ما نرى.
رابعاً: الحكم بالظاهر:
يبقى المسلم في نظرنا مؤمناً، طالما لم نسمع منه العكس. فمن نطق بكلمة الإيمان صدقناه، بمعنى أننا نحاسبه بما يرغب، مع أنه قد يكون ناطقاً بما لم يعتقد قلبه. فنحن نتعامل معه وفق ما يقول، والله يحاسبه وفق الحقيقة، ويعتبره كافراً، يحشره مع الكافرين.
من هنا يجب أن نعلم بأننا، بعد انقضاء عهد النبوة، لم نعد نستطيع أن نعرف المنافقين، إلا إن عبروا عن ذلك بألسنتهم. وفي هذه الحالة لا يعودون منافقين، بل يصبحون كافرين.
إذن فالنفاق حكم غيبي عند الله، مع انه كان معروفاً في العهد النبوي.
خامساً: متى نحكم بكفر المسلم؟
حين يعلن المسلم لنا أن قلبه لم يعد مصدقاً بما كان قد أعلن أنه مصدق به سابقاً، كأن:
1ـ يقول لنا أنه لم يعد يصدق محمداً
2ـ أو يقول لنا بأنه لم يعد مصدقاً بأن هذا المصحف يحتوي بداخله على كلمات الله، لأنه بذلك يعلن تكذيبه لقوله تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”
3ـ أو يقول بأنه لا يصدق بأن الله قد افترض علينا صلاة علمها لنبيه فعلمها لنا.
بمعنى أننا نكفره حين نثق بأن عمل القلب لديه تغير عما كان في الأصل.
سادساً: نتائج:
1ـ فلو آمن شخص بالإسلام، ثم لم يفعل طاعة واحدة، فلم يصل ركعة واحدة، بل مارس جميع المعاصي، فقتل وزنى وسرق، لظل مسلماً في نظرنا، ولأمكن لنا أن نعتبره فاسقاً فحسب.
2ـ ولو كفر شخص بالإسلام، ثم فعل كل الطاعات التي طلبها الإسلام، لما كان في نظرنا مسلماً، لأنه فعل الفرع وترك الأصل. ولا يغني الأصل عن الفرع.
3ـ فمن ترك الصلاة من المسلمين لم نكفره إلا إن قال بأنها غير واجبة. ولو صلى مئات الركعات مع اعتقاده بأنها غير واجبة، لما اعتبرنا صلاته إلا مكاء وتصدية فقط.
4ـ ومن شرب الخمر من المسلمين لم نكفره. أما من قال بأنها غير محرمة، فقد كفر، حتى لو لم يشربها.
5ـ مثال ذلك أن فقهاء العصر الأول لم يكفروا الحجاج بقتله الناس، بل اعتبروه فاسقاً. فلما قال بأنه سيحك قراءة ابن مسعود للقرآن ولو بظلف خنزير كفروه، وعلقوا ذلك على ثبوت أنه قال ذلك. بمعنى أنهم قالوا: إن كان قد تكلم بهذا فقد خرج من الملة. ومعنى ذلك أنه لم يكفر بالفعل بل بالاعتقاد.
6ـ ولأن الإيمان يقين راسخ لا يزلزله إلا يقين معاكس بقوته، فلا يحق لنا تكفير مسلم بقول قاله، حتى لو احتمل قوله مائة وجه للكفر، ووجه واحد لغير الكفر.
سابعاً: متى يدل العمل على النية؟
لا يجوز لنا أن نستدل بالعمل على النية. بمعنى أنه لا يحق لنا أن نفهم عمل شخص على أنه يدل على فساد قلبه، إلا في حالات نادرة جداً، لا تحتمل غير اليقين تفسيراً. مثال ذلك:
1ـ أن يتعمد الاستهتار بالمصحف ورميه في القاذورات، أو وطئه بالأقدام، والعياذ بالله.
2ـ أن يسب الله أو رسوله أو نبياً من الأنبياء، لأن معنى ذلك أنه لم يعد يؤمن به. فلا يسب شخص ما أحب في العادة.
3ـ أن ينكر اليوم الآخر. فمن أنكر اليوم الآخر، لم يعد مصدقاً بما ورد في القرآن بشأنه.
4ـ أن يزعم أن ثمة مصحفاً فيه كلام الله، غير هذا الذي بين أيدينا، لأن من يقول ذلك إنما ينكر قلبه في الواقع أن يكون الله قد حفظ كلامه من الزوال.
5ـ أن ينكر شيئاً ورد صريحاً في القرآن. مثال ذلك أن يتهم أمنا عائشة بالزنا، بعد أن أعلن القرآن طهارتها.
أخيراً:
هذا هو مذهب جمهور أهل السنة والجماعة، من السلف والخلف والمذاهب الأربعة.
والله أعلم.