الناقد د. سعد التميمي في ضيافة ” كرسي غازي القصيبي “

جامعة اليمامة | المملكة العربية السعودية

قصيدة النثر كسرت الحصار، ودخلت المؤسسات الأكاديمية

 

قال أ.د.سعد محمد التميمي” بعد سنوات طويلة من الإقصاء، والتهميش نجحت قصيدة النثر في كسر الحصار الذي فرض عليها لأكثر من ثلاثة عقود، وأخذت تتحرّر شيئا، فشيئا، وتتّسع دائرة الكتابة بها بموازاة اتساع دائرة التلقي، فضلا عن اقتحامها الحرم الجامعي من خلال تناولها في البحوث العلمية والرسائل والاطروحات العلمية ومع مرور الوقت أصبح المصطلح متداولا ومعترفا به من قبل المؤسسات الثقافية والأكاديمية”
جاء ذلك خلال استضافة كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية في جامعة اليمامة في المملكة العربية السعودية له، عبر بثّ مباشر ببرنامج الزووم، فألقى محاضرة عن قصيدة النثر عنوانها (قصيدة النثر بين تجليات الحداثة وارهاصات ما بعد الحداثة )،وقد تحدث التميمي عن قصيدة النثر قائلا: جاء ظهور قصيدة النثر بعد تحولات ثقافية واجتماعية وسياسية حدثت في المنطقة العربية، وقد أحدثت تحولا على مستوى الشكل والمفهوم، ليكون الشاعر أكثر ارتباطا بواقعه، ومنذ نشأتها  أثارت سجالا واشكاليات على مستوى المصطلح والتنظير والبنية ، فضلا عن المتابعة النقدية ،وفي الغالب كانت تغيب الموضوعية عن الطروحات في خضم الانحياز لها ضد قصيدة الشطرين والتفعيلة تارة ،وضدها مع قصيدة الشطرين والتفعيلة تارة أخرى ،فهناك من يشكك بمرجعيتها العربية ويربطها بالتجارب الغربية وبشكل خاص التجربة الفرنسية (رامبو، بودلير) ويعد كتاب سوزان برنار(قصيدة النثر من بودلير الى اليوم الراهن) سلطةً نظرية ومرجعية حاضرة في كتابات كثير من الشعراء والنقاد، والالتزام الحرفي بطروحاته في التنظير لقصيدة النثر العربية وتحديد عناصرها  وسماتها الشكلية والدلالية، وغاب عنهم أن هذه السمات عامة ونسبية، غير ثابتة ولا مطلقة، وهي خاصة  بالشعر الفرنسي، بالمقابل حاول آخرون البحث عن مرجعية عربية تتمثل في بعض تجارب النثر الفني والمقامات فضلا عن النثر الصوفي كما في طواسين الحلاج، ومواقف النفري ومخاطباته، والإشارات الإلهية للتوحيدي، اذ تميل اللغة في ذلك كله  الى النزعة الشعرية”
وأضاف التميمي الأستاذ في الجامعة المستنصرية، ومدير منصة ابداع ضمن مشروع بغداد مدينة الإبداع الادبي التابع لمنظمة اليونسكو، “وفي العصر الحديث تعد تجربة الشعر المنثور وما قدمه جبران خليل جبران وخليل مطران والريحاني محاولة جادة في إحداث تجديد ملموس في بنية القصيد العربية لتواكب العصر ويكون من نتائجها ما يسمى بقصيدة النثر، التي اشعلت شرارتها الفعلية مجلة شعر البيروتية عام 1957 بعد أن تبنت التجربة وشجعت على كتابة قصيدة النثر وكانت أول من اطلق المصطلح في دراسة للشاعر أدونيس عام 1959 التي أكد فيها أن الوزن ليس الحد الفاصل بين الشعر والنثر، وقد تصدّت الشاعرة  نازك الملائكة للمجلة ولقصيدة النثر وعدتها بدعة ، مؤكدة أن القصيدة اما أن تكون موزونة فتكون قصيدة وليست نثرا ،واما ان تكون غير موزونة فهي ليست قصيدة بل نثرا .
ثم ختم كلامه بواقع قصيدة النثر الراهن قائلا:
إن ما تمنحه قصيدة النثر من حرية يعد سلاحا ذا حدين الأول إيجابي يمنح الفرصة للتجدد والابداع والثاني سلبي استغله من ظن أن قصيدة النثر هي كل ما خلا من الوزن والقافية، فدخل في هذا النوع الكثير ممن خلط الخاطرة والنثر العادي بقصيدة النثر فضلا عن وقوع بعض شعرائها في التكرار، والاجترار، والتماثل، والتناسخ الصوتي، وقد ذهب التجريب الى العودة الى الغنائية، فضلا عن المبالغة بالابتذال العاطفي، والخيالات الشبقية، والصور الشعبوية وهذا ما يرجع الى تجليات ما بعد الحداثة،
وبالعودة للنشأة الفعلية لقصيدة النثر قال التميمي” نجد أنها بدأت مع ارهاصات الحداثة التي فرضت وجود نوع شعري جديد يستطيع أن يلبي حاجات الانسان في عالم الحداثة التي تدعو إلى تقديس العقل والعلم وتهدف الى تحرر الانسان من القيود بجميع أشكالها ، فالحداثة كانت متجسدة في قصيدة النثر ، فالشاعر منخرط بشكل واع في مشروع الحداثة بكل مستوياته وتجلياته، ومن هنا يرى أصحاب هذا المشروع الشعري أن يحرروا القصيدة من قيودها الشكلية على أن تكون التغيرات التي تطرأ على القصيدة ذات مفاهيم فلسفية ووجودية تتناول هموم الانسان واحلامه، وهذا ما عبرت عنه قصائد الرعيل الأول لهذا النوع الشعري مثل ادونيس ومحمد الماغوط وانسي الحاج في لبنان وجماعة كركوك في العراق مثل صلاح فائق وسركون بولص وفاضل العزاوي. فقصيدة النثر هي احدى ثمار الحداثة الشعرية العربية التي سعت الى التحديث والتجديد والثورة على التقاليد الشعرية القديمة، فهي على حد قول ادونيس (كتلة مشعة مثقلة بلا نهاية من الايحاءات قادرة على ان تهز كياننا في أعماقه) بينما يرى انسي الحاج في مقدمة ديوانه (لن )اول ديوان قصيدة نثر(تكون قصيدة النثر قصيدة نثر، أي قصيدة حقا، لا قطعة نثرية فنية، أو مُحمّلة بالشعر، شروط ثلاثة: الإيجاز (الاختصار)، التوهّج، والمجانية. فالقصيدة، أي قصيدة… لا يمكن أن تكون طويلة، وما الأشياء الأخرى الزائدة سوى مجموعة من المتناقضات، يجب أن تكون قصيدة النثر قصيرة لتوفّر عنصر الإشراق، ونتيجة التأثر الكلّي المنبعث من وحدة عضوية واحدة وهي على قول عز الدين مناصرة (نص تهجيني مفتوح عل الشعر والسرد والنثر الفني عابر للأنواع يفتقد الى البنية الصوتية الكمية المنتظمة ،لكنه يمتلك ايقاعا داخليا غير منظم ) ويرى حاتم الصكر “انها تمثل لحظة حداثة فريدة تمس جوهر القصيدة وخطابها ،لا مجرد تغيير في الشكل والرؤية وان ضرورتها قائمة لأنها تجدد دم الجسد الشعري وترافق عصر يفور في طبقات الوعي ،وهي نتاج ارهاصات الحداثة بعد الحرب العالمية الثانية فالحداثة الشعرية تستند الى عدة أسس منها :التمرد على الذهنية التقليدية والتجريب والى ذلك يشير الناقد صلاح فضل الى ان اقبال الشعراء على قصيدة النثر يرجع الى ايمانهم بانها شكل حداثي في اطار التجريب الحداثي ،والتجريب يقوم على هدم الثوابت دون السعي لتأسيس ثوابت جديدة ومرجعيات ثابتة بل السعي الى التجريب المستمر الذي لا يصل الى نهاية وهذا يعنى ان التحولات في القصيدة تبقى في اطار قصيدة النثر ومن هنا يطرح ادونيس التجريبية في الشعر ويرى ان جماعة مجلة شعر تبنت مصطلح قصيدة النثر، انطلاقا من ثلاثة مبادئ (مستقلة عن مفهوماتها الفرنسية ) وهي: إن الشعرية العربية لا تستنفدها الأوزان، على الرغم من كمالها وغناها فنيا، وأن هذه اللغة تزخرُ بإمكانات تعبيرية، طرائق وتراكيب يتعذر أن نضع لها حدا نهائيا تقف عنده، فهي لغة مفتوحة على اللانهاية. وابتكار طرق وأشكال أخرى للتعبير الشعري، تواكب الطرّق والأشكال القائمة على الوزن وتؤاخيها، بما يغني اللغة الشعرية العربية، وينوّعها ويعدّدها، وفي هذا إثراء للمخيلة وللذائقة أيضا .
والرغبة العميقة في جعل اللغة العربية مفتوحة على جميع التجارب الشعرية في العالم، وفي وضعها، إبداعيا، على خريطة الإبداع الكوني بخصوصيتها لكن في الوقت نفسه بانفتاحها ولا نهائيتها، تفاعلا ومقابسةً وحوارا. وحول روافد قصيدة النثر، قال التميمي” لم تكن قصيدة النثر طفرة مفاجأة في الشعرية العربية اذ كان لها العديد من الروافد التي استقت منها بشكل واع او غير واع مثل النثر الفني أو النثر الشعري والشعر المرسل والشعر المنثور، والشعر المترجم والشعر الغربي وبشكل خاص رامبو وبودلير بل حتى قصيدة التفعيلة كانت احدى الروافد ،فضلا عن كتاب سوزان برنار وقبل الدخول في الروافد لا بد من الإشارة الى الانقسام في قضية مرجعية قصيدة النثر، فهناك من يجعلها غربية مما ترتب عليه اتهامها بالخيانة كما فعلت نازك الملائكة، وهناك من يؤكد المرجعية العربية التي تعود الى التراث العربي ممثلا في نصوص مميزة من النثر الفني كما ذهب اليه بول شاؤول احد شعراء قصيدة النثر وهذا المر بالنسبة للروافد على يقتصر على قصيدة النثر العربية بل الفرنسية أيضا اذ تقول سوزان برنار(لم تظهر قصيدة النثر فجأة بل احتاجت الى تربة خصبة وان النثر الشعري هو أول مظاهر التمرد ضد قواعد الطغيان الشكلي الذي مهد لقصيدة النثر ). النثر الفني أو النثر الشعري:ويتمثل ذلك في نثر ابن المقفع والجاحظ وعبد الحميد الكاتب وابي العلاء المعري وابي إسحاق الصابي وابن عربي والنفري وغيرهم، وهو أسلوب من أساليب النثر الذي تهيمن فيه الروح الشعرية من خلال قوة العاطفة والخيال والايقاع والمجاز، اذ يتساءل انسي الحاج ويجب في مقدمة ديوان (لن) بقوله “هل يمكن ان نخرج من النثر قصيدة؟ أجل فالنظم ليس هو الفرق الحقيقي بين النثر والشعر لقد قدمت التراثيات شعرا عظيما في النثر ولا تزال، وما دام الشعر لا يعرف بالوزن القافية فليس هناك ما يمنع أن يتألف من النثر شعر ومن شعر النثر قصيدة نثر “.
و-والشعر المرسل:
وقد ظهر قبل قصيدة النثر والشعر الحر وقد مهد لهما وهو الشعر الخالي من القافية أي ابيات موزونة غير مقفاة وكتب فيه شكسبير و ملتون ومن العرب كتب فيه الزهاوي وعلي احمد باكثير الذ كان قريبا من الشعر المرسل الأوربي. وهو سهل النظم يمنح الشاعر حرية التعبير بسبب التخلص من القافية وقد كتب فيه أيضا رزق الله حسون من خلال ترجمة الاصحاح 18 من سفر أيوب في كتابه (اشعر الشعر) عام 1869 وعبد الرحمن شكري 1913 واحمد زكي أبو شادي.
والشعر المنثور:
وهو الناتج عن اهمال الوزن والقافية ظهر بتأثير من الغرب كتب فيه الريحاني صاحب أول تجربة في الشعر المنثور الذي ضمنه كتابه “الريحانيات” إلى جانب مقالاته وخطبه، وعلى تجربته هذه أطلق هو مصطلح الشعر المنثور ويظهر هنا علاقة “قصيدة النثر بالشعر المنثور فقد كان نقطة انطلاقة لها بالرغم من احتفاظه بالقافية والايقاع، بعيدا كل البعد عن قوانين الخليل ويقوم على الإيقاع النثري (التوازي، الترادف، التقابل، تكرار السطور، الأفكار). والترجمة:
ذهبت نازك الملائكة إلى أن المترجمات رافد من روافد قصيدة النثر، حيث إن المترجمين كانوا يدققون في ترجمة الشعر الأوروبي، فيكتبونه على شكل نثر وذلك لضرورة علمية، وحتى ينتفع به الطلبة، وهذا مبرر قد يكون عاملا من عوامل ظهور “قصيدة النثر” كما هي الآن. والشعر الحر:
فقد كان الشعر الحر الرافد الأقوى لقصيدة النثر لانتقال روادها من الحر الى النثر ولاشتراكهما في كثير من القضايا في بناء القصيدة مثل:
أ-اتكاؤهما على الإيقاع الداخلي (ايقاع التجربة).
ب-الوحدة العضوية
ج – الجملة الشعرية هي نواة الشعر الحر وقصيدة النثر.
د – مساحة الحرية في الشكلين.
وقد نوه التميمي بالكتاب المهم للناقد د. حاتم الصكر (الثمرة المحرمة) عن قصيدة النثر، مشيرا إلى نماذج متميزة.
لمتابعة الاستضافة رابط اليوتيوب:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى