جرائم أخلاقيّة

أماني الحسين | سوريا

يُرفع الغطاء عما يحدث في الحرب، ويكشف ما يُخبّأ في نفوس الناس. في الحرب أيضاً، يزيد الانفتاح المزيّف، وكأن الإباحية قانون مبرّر لكل فعل خاطئ غير مسؤول.

كل شيء يظهر للعلن كان موجوداً، لن تتفاجأ بحجم المصائب إلا إذا كنت متوهماً بأنك تعيش في المدينة الفاضلة.

في الحرب تكثر الأماكن العامة، كالمقاهي، لتكون شاهدة ومجمعاً لأنصاف الجرائم الأخلاقية، لتكتمل بعدها في الغرف الحمراء المغلقة.

نسبة كبيرة ممن يرتادون هذه المقاهي من المثقفين، الذين غدرت بهم الحرب وضيّقت عليهم الخناق، كما منعتهم من ممارسة أقل حقوقهم، ليقضوا وقتهم متحدثين جاذبين عقول الفتيات المراهقات بكلامهم المعسول -خاصة أن هذه الفئة العمرية ترغب ممن يكبرها سنّاً وترى فيه الرجل المثقف والمتحرر، صاحب الخبرة والمغامرة – وما يلبثون أن ينسحبوا بعد مواجهتهم لقصة حب أو رغبة كاملة، لم تكن في الحسبان، ورفضهم لمسألة الزواج بعد استيقاظهم المتأخر من نشوتهم، التي تزيد الخناق أكثر وتحدّ من حريتهم الشخصية ومن هذا الهراء الكاذب، كما يبررون.

لنتذكر القوانين الصارمة والدكتاتورية في مراقبة هذه القضايا، ومنع أكثرهن فظاعة، وهو الإجهاض، هذه القوانين وما يتبعها من عادات وتقاليد أرعبت  الفتيات أكثر، وجعلت همهن الوحيد المحافظة على شرفهن والالتزام به، لأنه مرتبط بمكانتهن ومكانة عوائلهن في المجتمع كله، والتحديد من العلاقات وخاصة المريبة منها التي تحميهن من عدم مسؤولية هذه الرغبة والحسبان لأي خطوة يقمن بها … خوفاً من ارتكاب هذا الجرم الذي ستتحمل أعباءه وحدها… خاصة في ظل مجتمع يهيمن عليه التفكير الذكوري وفي ظل قوانين تحميه من هذا العار… وأكثرها بشاعة وجوراً السماح له في الزواج من الضحية في حال الشكوى ضده وهذا نادرٌ جداً، على الرغم من شدّة هذه القوانين…

الإجهاض في العلاقة غير الشرعية، جريمة.. تُقتل الروح فيها عمداً، وهو فعلٌ محرّم ولا أخلاقي تجبر الفتاة عليه بعد علاقة قصيرة، أو لأسباب أخرى، وانسحاب الذكر منها، وتخليه عنها لتواجه هذا المسؤولية وحدها بشكل سري حتماً، لأن غير ذلك سيكون القتل مصيرها… ومن ثم تبدأ رحلة الابتزاز والغرق أكثر فأكثر، في حال كانت هذه العلاقة مقصودة أو مصيدة لأهداف كثيرة…

فتيات كثيرة يفضلن البوح وتغمرهن الشجاعة للدفاع عن أنفسهن وعدم التخلي عن الجنين، وفضح الشريك، وهذا نادرٌ جداً، أما النسبة العظمى يجهضن، ويلجأن للعمليات السرية، ويحتلن على المجتمع، ويبدأن رحلة التطرف إما الديني، أو تقييم الفتيات بصورة سلبية .. ونلاحظ أغلب الضحايا هن فتيات في مرحلة المراهقة، مرحلة التباهي بجمال الجسد، تنقلب الفتاة بعدها من طاقة تفاؤل وحركة إلى امرأة، كبرت فجأة وكأنها في الأربعين يملأها الحزن، والاكتئاب.

في الحرب يصبح الفلتان أوسع، ولا وجود حقيقي لقانون يضبط أخلاقية المجتمع، أو لنكتشف أن نسبة لا بأس بها ممن يطالبون بالتغيير وحملة الشعارات ورواد الكلمة، هم من يجرمون ولا يقوون إلا على تلك القلوب الصغيرة وتهشيمها.

فالحرب هي حرب أخلاق لا أكثر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى