حكايا من القرايا.. ” البير “
عمر عبد الرحمن نمر | جنين – فلسطين
يحفرون البير في (الحوَّر) على شكل الجرة، أو حبة الكمثرى، ويسمونه بير (إنجاصة) ليفرقوا بينه وبين الخزّان المكعّب… ويصفون برودة مائه بأنها (بوزه) وصفاء مائه بالزلال.
يبدأ البير بقصعة لها باب، باب جارور (يسحب عند فتحه وغلقه كالجارور) ونوع آخر من الأبواب هو (الردّاد) يفتح ويغلق كالكتاب… يلي القصعة رقبة تطول لتصل نحو مترين… ثم الحنجرة، وعندها يبدأ محيط البئر بالاتساع… ويبلغ مداه في الاتساع عند (اللجف) ويتوقف الاتساع عند القاع (مسطبة البئر).
بالقرب من قصعة البئر يصمم حوض تشرب منه الحيوانات عندما ترد إلى البئر، وحوض آخر أصغر لتشرب منه الطيور… ويربط بالقصعة دلو أو ركوة قد تكون من الجلد أو الحديد، لانتشال الماء من البئر…
عندما يقترب موسم الخير، فإنه كان يصمم للبئر قناته، وإن كانت موجودة تنظف، وخير قنوات الآبار ما جاء عن ظهر الصخور الملساء النظيفة، وفي البيوت يأتيها الماء إما من المزاريب التي تجر على أرض نظيفة، أو مباشرة عن ظهر السطوح بالمواسير والبرابيش…
يجب أن يتوفر بير أو أكثر في كل دار، ويقحف البير قبل الدار، فالماء حياة، ولا ماء إلا ببير… وفي الأراضي البعيدة تقحف الآبار لأكثر من غرض، فهي للأجر أولاً، وتسمى آبار سبيل، ويقولون فلان حفر بئراً وسبّله، أي جعله سبيلاً، يشرب منه الناس والحيوان والطير، طلباً للأجر من الله سبحانه، أو صدقةً جاريةً عن روح أحد الأقارب المرحومين. وقد يحفر البئر لإحياء الأرض، لري شجرها ونباتها، وسقي الناس العاملين فيها.
كثير من الآبار المحفورة في الأراضي البعيدة تحمل أسماء، فقد تسمى بأسماء أصحابها، بير أبو الناجح، بير أبو ضياء، وقد تسمى باسم الأرض الموجودة فيها، بئر اللحف، بئر الخلايل، بئر سراع…
وعلى الآبار كانت تدور كثير من الحكايات الشعبية، واللقاءات الرومنسية، تلك اللقاءات التي كانت تأتي صدفة بين فرسان العربان، وزوجات المستقبل… وهناك عديد القصائد التي يكون البير ميدانها:
على بير الصفا وردت حليمة
جدايلها شقر وطوال حليمة
يا الله يا خوي تا نلحق غنيمة
قبل الشمس توجه ع الغيااااااااااااب…
يسمونه بئراً، وقد يسهّلون الهمزة ويسمونه “بيراً”… ويعتبره العوام مذكراً، وهو في الحقيقة مؤنث مجازياً، ففي اللغة السليمة هذه بئر بالتأنيث ولا نقول هذا بئر، حيث ورد التأنيث في قوله تعالى ” وبئر معطّلة وقصر مشيد” الحج: 45 … وجمعها: آبار، وأبآر، وأبؤر، وبئار… ويقال: بأر بئراً أي حفرها…