سراج مارس..بل كل الشهور
تهى العبرية | عُمان
أُمي وإن طَالَ الزَمانُ حَبيبتي ورَفيقَتي في الحُزنِ والضَحكَاتِ
أُمي وإن هَجَرَ الجَميعُ مَرابِعي بَقِيَتْ لِتَزْرعَ في الهَشِيمِ رفَاتِ
أُمي وإن نَسِيَ الجمِيعُ مَلامِحِي كَانتْ تُناجِي الله في الصَلَواتِ
(أحمد شوقي)
يُخْلَقُ بني آدم باكياً مُغمَضَ العينين، فيُبْصِرُ النور بِرسم وجه أمه، ومن ثَمّ يسُدّ رَمَق صراخه بحنانها ودفئها، فالأم جوهرة مكنونة تخجلُ الحروف وتنحني حتى تتناسق وتحيكَ عِقداً يُوفّي قَدَرَها، فهي فخرُ التاريخ، وأساس تكوين المجتمع وتربيته وارشاده، فمنذ فجر البشرية تمّ تكريمها وتفضيلها باعتبارها نصف المجتمع، فهي الأمن والأمان، وهي نبع الحنان والكرم والعطاء الذي يٌقدّم دون أن ينتظر مقابل.
وقد خصّ الله سبحانه وتعالى الأم عن الأب لصبرها وتحملها آلام الحمل والولادة ومن ثّم تنشئة الأبناء وتربيتهم وسهرها عليهم، فهي القدوة والمربّية والمنشئة. وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم اذ جاءه رجل فقال ” يا رسول الله من أحق الناس بحُسن صحابتي؟ قال: أُمك. قال: ثُم مَن؟ قال: ثُم أُمك. قال: ثُم مَن؟ قال: أُمك. قال: ثُم مَن؟ قال: ثُم أَبوك.” فلا كفاح مثل الأم، فهي خير مثال للعزم والصبر في أمور الحياة، هي مَن زَرعت القوة والثبات أمام عقباتك، وهي من أذابتْ جليد همّك لترتاح، فهي مركز السكينة وسط العواصف كي لا تقلق وتخطو لتحقيق امانيك وتُضحّي بالنفيس، وهي الأخت والصديقة ومخبأ الأسرار والفضفضة، وهي المستشار في كل الأمور.
فالأم سراج كل بيت وأساسه، فهي طاقة مُدرّة للسعادة والدفء والاستقرار النفسي، إن ابتسمتْ ابتسم الجميع، وإن مرضتْ مرِض الجميع، وإن غادرت كُسرت أجنحة الجميع، تختّل الموازين بغيابها، فحضنها هي المأوى لنا في أحْلكِ الظروف والأزمات، هي شمعةٌ لو انطفأت لن تتكرر. تمتلك كل المؤهلات والخواص الإدارية والفنية والفيزيائية والنفسية في إدارة زمام البيت، ربّة منزل كانت أَو عاملة مكافحة، فالله ألهمها القوة والصبر لتتحمل هذه المسؤولية الجسيمة والتي نفخر بأمهاتنا بها، ونفاخر فيها أنفسنا كأمهات عاملات نقتدي بِهِنّ، فَهُنّ المرآة التي تنعكس صورتهن لنا، وعلى خُطاهُنّ ماضون في تنشئة أشبالنا لنرى ثمرتهم ونفخر بهم، فطوبى لكل أم رائعة.
لَكِ أمي الغالية ولكل أم على هذه الأرض الطيبة، نسأل الله لهن دوام الصحة وطول العمر، والرحمة والجِنان لِمَـنْ رَحَلْنَ إلى الرحمن، فبّر الأم واجب وممتد من المهد إلى اللحد لا ينقطع، فاغتنم الفرصة لِجنّةٍ تحت أقدامها، وكُن بقربها وأكرمها، واستنشق عطفها، وتداوى ببلسمها، وتوسّد بحنانها، واحلم عند النظر إلى عينيها. وكما قال أحمد شوقي:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيّب الاخلاق