أخلاق العلماء
رضا راشد | باحث في اللغة والأدب – الأزهر الشريف
معلوم أن العالم لا يعلم طلابه العلم فحسب وإنما يغذو عقول طلابه علما وقلوبهم أخلاقا وتربية، ولا خير في عالم ينتفع به عقل الطالب دون قلبه؛ لأنه لا فائدة للعلم دون أخلاق كريمة تحليه وتزينه :
لا تحسبن العلم ينفع وحده ^^^ما لم يتوج ربه بخلاق
وإن مما عمت به البلوى في زماننا هذا أن بعض العلماء ما عادوا يكتفون من طلابهم بحرمانهم التربية على الأخلاق الكريمة ،بل أصبحوا يكسبونهم من رذيل الأخلاق ما الله به عليم .ومن أخطر ما يكسب الأساتذة طلابهم من الأخلاق المرذولة هو إضفاء هالة من التقديس عليهم وعلى آرائهم بحيث لا يقبلون فيها من طلابهم مناقشة لها ولا تساؤلا حولها ،وكأن آراءهم هي الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!!
ولقد كان مما سنه من سماهم أبو فهر محمود محمد شاكر رحمه الله (الأساتذة الكبار ) أنهم يخطئون في العلن ويتبرأون من أخطائهم في السر ،ويستنكفون كبرا أن يعودوا للصواب ،ثم لا يتورعون عن الإيقاع بمن يدلهم على خطأ ارتكبوه أو باطل اقترفوه. وسل واقع الجامعة عن الدكاترة وما يرتكبونه في حق طلابهم ممن ناقشوهم من ظلم صارخ ..ينبئك بما تدمى منه القلوب وتقشعر منه الجلود !!!
دعك من هذه الصورة القاتمة وتأمل هذه الصورة المضيئة المشرقة لعالم طالت صحبته لتراث آبائه من العرب والنسلمين فتحلى بأخلاقهم وتزين بشمائلهم ؛إنه شيخ البلاغيين الدكتور محمد محمد أبو موسى حفظه الله تعالى حيث يقول في مقدمة فريدته الماتعة (مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجانى ):
“وبعد..
فهذا الذي قصدت ،فإن وجدت فيه صوابا فذلك من فضل الله الذي لا نحصي ثناء عليه، وإن وجدت تقصيرا فإنى لا أسألك المسامحة ،ولك أن تقول فينا ما تشاء لأننا قلنا في الناس ما نشاء، ولكن لنا عندك رجاء، وهو أن تكتب للناس الصواب الذي رأيتنا قد ضللناه ،وهذا حق العلم وأهله ،وهو من أمانات الله التى عرضها سبحانه على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها “
أرأيتم إلى هذه الأخلاق النادرة في هذا الزمان ؟
هل سمعتم بمثلها من قبل ؟
إنها الأخلاق التى تحدرت إلينا من أسلافنا رضوان الله عليهم في كتبهم وعلومهم. وجدير بثقافة وعلوم أنشئت يوم أنشئت؛ دفاعا عن الإسلام وحماية لذماره أن تكون هذه أخلاق علمائها..وجدير بمن حرم هذا النبع الصافى والعذب الفرات مكتفيا بما تقممه من فتات الغرب أن يحرم منه …إذ كيف للشوك أن يثمر العنب ؟!