يكتبها: محمد فيض خالد
حَتَّى وإن حُرمت وضاءة الوجه، وحُمرة الخَدَّين، وتلِك مَقاييس الجَمال الرِّيفي الباهت، لكنَّها أُوتيت نَصيبا مُوفورا من جَاذبية، في جَسدٍ سَمهريٍّ طويل بضّ، وتفاصيل أنثى مُكتملة الإغراء، ردف صقيل، وصدر ناهد نافر ، وخصر ضامر صلب ، وشعر فاحم طويل في تَموِّج لافت، وفتنة مُشتعلة بين سواد عينين نَاعستين ضاحكتين في جرأةٍ ودلال، يَتناثر كحلهما ويفيض من فوقِ أهدابٍ كنصلِ خِنجرٍ مسنون، وعنق مُشرع كما الإبريق، ودفءٌ يتَطاير شرره من صوتٍ مُتغنّج شيطاني الرنين، وضحكات مُتفلّتة بغيرِ رقيب، ومشية تَتخلّع فيها سَاقين في ميوعةٍ وتوحّش، تَهتزُ في ارتجاجٍ مخيف، وفوق هذا وذاك خِفة ظِلٍّ، ونكتة حَاضرة، ولِسانٌ يَقطُرُ السُّكر، لايتعطّل عن تَوزيعِ السَّلام في ذهابٍ وإياب، بيد أنَّها كلُما تذكَّرت أنَّ فورانها هذا لا يُمكنه أن يقَفَ دقيقةً ، أمام مِسحةِ بياضٍ من وجهِ رضيعة،وتلك مقاييس الجمال المألوفة ، ما أشعرها باليأسِ.
لم تكن والدتها بأقل منها حُزنا وكمدا، وهي ترى الخُطَّاب يتَخطَّون بابها لأبواب غيرها من الصَّبايا ، فيزداد ألم المرأة فأخشى ما تَخشى أن تُفارِق دُنياها، من غَيرِ أن تَطمئن على مستقبلِ ابنتها البائسة، عاشت المرأة في حِيرة ٍلا تنقضي، لم يكن يعنيها من أمرٍ غير ستر هذه التَّعيسة مع زوجٍ، إلى أن أذن القدرُ وجَاءَ أول خاطب لفتاتها، لم يكن سوى هلفوت من هلافيت القرية، سِجله لا يخلو من التَّسكعِ نَهاره ، والسَّهر ليلا في عَربدةٍ لصٍ فاجر ومُقامرٍ حقير ، اُغري بها بعدما شَاعَ عن طريدته أنَّها من ذواتِ القراريط، وصاحبة بيت كبير، ليسيل لُعاب الانتهازيّ ويَمضي في جُرأةٍ ، مَشت الأمورُ حَتّى نهايتها ليجد الناس “حسن” زوجا يُساكِنُ “بداره”ويلتهم قراريطها كما التهم جسدها من قبل، وخَيرا يَمرحُ فيهِ ويَغبُّ من سِعتهِ.
لكنَّ شيئا لم يتغيَّر في حياة “بداره”، لم تشفع لها ثروتها ولا جسدها اللدن، ولا ليونة العيش وطيب المعشر لزوجها الجديد، فما إن استقرَّت أقدامه في بيتها، حتَّى تمرَّدَ على وضعه الجديد، من يومهِ الأوّل اجتهد في سلبِ ما في يدها حتّى اجهدها ، لتصبح مثار تندر عائلتها الذين لم يقتنعوا يوما بهذه الزِّيجة، حتّى بعد أن رُزقت بابنتها ، ومن بعدها ثلاثة من الذكورِ ، لم يُغيّر صاحبنا من طباعه، بل تزداد سواء، يعود مُترنحا مع الصَّباح، فينام سحابة نهاره وينشط عند المغيبِ، تطوّر الأمر بعد أن عَجَزَ عن تلبية رغباته ، فتجرَّأ يُجرِّدها حليها عُنوة ، لا ينفك يُردِّد في وقاحةٍ يُعايرها :” هو أنا كنت ليكي يا بوز البومة ؟!”، كتّمت آلامها، وانكفأت على أبنائها تربيهم، لتبقى وسط حيرتها بين غدرٍ مُوشك، وثروة مُستنزفة، وصغارا تمنَّت لهم حَظَّا سعيدا، استَيقظت من نومها فزعة ذات صبيحة، على طرقاتِ الباب، لتجدَ ورقةً مُشرعة في وجهها ، تناولتها من يدِ الخفير في صمتٍ باكي، وكأنَّها تَعلم ما فيها، ليقضي البيت أيامه في معتركِ الحياة من غير الزَّوج الهارب .