القدس: إما انتخابات وإما اشتباك مع الاحتلال
د. وليد سالم | القدس – فلسطين
منذ الإعلان عن إجراء الانتخابات الفلسطينية في كانون ثاني الماضي تنجلي الأمور رويدا رويدا بشأن عقدها في القدس، وفي الشهر الأخير اتضحت صورة الخيارات بصورة جلية: فإما انتخابات في المدينة، وإما اشتباك مع الاحتلال تحت عنوان الانتخابات، وفي هذه الحالة الثانية يجب عدم توقع تصويت واسع للمقدسيين في الصناديق التي يتم وضعها في المدينة رغم أنف الاحتلال، حيث سيزيل الاحتلال هذه الصناديق فور وضعها، ولكن علينا في المقابل التسلح بتوقعات بديلة في هذه الحالة وهي أن ننجح في إعادة توجيه النظر العالمي إلى القدس على أنها مدينة محتلة وليست جزءا من إسرائيل ، وكذلك اعادة الروح للمقدسيين ، وتعرية الاحتلال بمعاداته للديمقراطية رغم ادعائه بأنه ” الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط “. في هذه الحالة تكون القدس جزءا من العرس الديمقراطي الفلسطيني ولكن من خلال الاشتباك مع الاحتلال لتبيان أنها جزء من الكل الفلسطيني أمام كل ذي عينين محليا وعربيا وعالميا.
الخيار الأول بإجراء الانتخابات في القدس وصل بصيغتيه إلى طريق مسدود : الصيغة الاولى تمثلت بمحاولة اجرائها وفق ترتيبات أوسلو ٢ لعام ١٩٩٥ والتي قضت بأن يصوت عدد محدود من المقدسيين داخل مكاتب البريد في المدينة ، وفي المقابل أن تصوت غالبيتهم في صناديق اقتراع في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية المحيطة بالقدس. حاولت دولة فلسطين وحاول الأوروبيون اقناع حكومة إسرائيل بعقد الانتخابات في القدس وفق هذه الصيغة عدة مرات منذ عام ٢٠١٩ وحتى اليوم، ولكن اسرائيل امتنعت عن الرد، ولكنها في المقابل ردت بالرفض على الأرض من خلال فضها للقائين للمرشحين للانتخابات الفلسطينية كان مقررا عقدهما في فندقين بشكل متوالي خلال نيسان الحالي ، كما ردت عمليا بالرفض عبر منعها اعطاء الاذن للبعثة الاوروبية لمراقبة الانتخابات من دخول فلسطين. لنتذكر هنا أيضا أن إسرائيل ترفض اجراء كل الانتخابات الفلسطينية وليس في القدس فقط ، فقد تحدث رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلي نداف أرجمان مع الرئيس محمود عباس طالبا منه عدم إجراء الانتخابات بذريعة إمكانية فوز حماس فيها، ورفض الرئيس عباس الطلب ، كما تحدث غابي اشكنازي وزير الخارجية الاسرائيلي مع نظيره الأميركي انتوني بلينكن وطلب منه الضغط على فلسطين لمنع إجراء الانتخابات حتى لا تنجح فيها حماس، وفوق ذلك منعت اسرائيل الوزير حسين الشيخ من إجراء زيارة ثانية لمروان البرغوثي في السجن للمساهمة في تمزيق وحدة فتح ، كما اعتقلت اسرائيل عددا من مرشحي حركة حماس في الضفة وهددت آخرين منهم من خوض الانتخابات. وعليه فإن اسرائيل لا تريد الانتخابات الفلسطينية برمتها. وهنالك عامل اضافي ترفض من خلاله الانتخابات في القدس وهو ادعاؤها بأن القدس هي عاصمتها الموحدة . لهذا ترفض اسرائيل من خلال إجراءاتها العملية على الأرض إجراء الانتخابات في المدينة كما رأينا .
الصيغة الثانية التي طرحت لإجراء الانتخابات في القدس هي صيغة مطالبة اسرائيل برفع عدد مراكز التصويت في المدينة الى ١٨ بدل ٦ كما كان عليه الحال في انتخابات ٢٠٠٦، وذلك بسبب زيادة السكان وظروف كورونا التي تتطلب التباعد الاجتماعي كما ورد في مذكرة ديوان الرئاسة التي وزعت على ممثلي الدول الأوروبية في فلسطين مطالبة اياهم بالضغط على اسرائيل بهذا الاتجاه ، وواضح أن اسرائيل لم تقبل بهذه الصيغة ايضا حيث رفضت الصيغة الاولى الاقل . نحن اذن امام حكومة اسرائيلية لا تقبل اوسلو ولا ترتيباتها بشأن الانتخابات ، كما لا تقبل التنازل عما منحته لها ادارة ترامب الامريكية السابقة التي اعترفت بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
مع وصول خيار الانتخابات في القدس بصيغتيه أعلاه إلى طريق مسدود طرح خيار الاشتباك مع الاحتلال من خلال وضع صناديق في المدارس والمساجد والكنائس والنوادي ومختلف هيئات المجتمعات المحلية في القدس الشرقية ، وكما وردت الإشارة أعلاه فإن هذا الخيار يعني الدخول في مواجهة مع الاحتلال عنوانها الانتخابات ، ولكن لا ينبغي توقع أن يؤدي هذا الخيار إلى حصول انتخابات في القدس حيث سيزيل الاحتلال أي صندوق يتم نصبه بسرعة مذهلة. سيضع الفلسطينيون المقدسيون صناديق اخرى غير تلك المزالة في مواقع أخرى ، ولكنها أيضا ستزال من قبل الاحتلال ، وستستمر العملية ذاتها مرات ومرات على شكل كر وفر ، ولكن ذلك كله سيكون عبارة عن اشتباك مع الاحتلال لإثبات ارتباط القدس المستمر مع فلسطين وليس انتخابات ، وإن تم خوضه باسمها.
بين خيار الانتخابات الذي وصل إلى طريق مسدود حتى الآن في القدس وخيار الاشتباك مع الاحتلال ، طرحت بعض الحلول الوسط التي لا تخلو من الشوائب:
أول هذه الحلول هو التصويت في مقرات قنصليات الدول الأوروبية وتركيا في المدينة. ثغرة هذا الطرح أنه يجعل الانتخابات تتم في مواقع سيادية لتلك الدول في القدس ، وليس في المدينة ذاتها.
ثاني هذه الحلول هو أن يتم التصويت في مقرات الأمم المتحدة في المدينة انطلاقا من أن القدس تخضع للاحتلال وبالتالي تطالب بالحماية الدولية تحت علم الأمم المتحدة في المدينة بما في ذلك حقوقها الديمقراطية بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية من خلال مؤسسات الأمم المتحدة . السؤال بالنسبة لهذا الخيار هو إذا ما كانت مؤسسات الأمم المتحدة في المدينة ستقدم عليه بدون موافقة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الاوسط والمكونة من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة .
ثالث هذه الحلول هو انتهاج طريقة التصويت الإلكتروني، وهو ما يبدو كحل هروبي أولا عن مواجهة الاحتلال في المدينة، كما أنه لم يتم الاعداد له فنيا وتقنيا حيث لم يتم إعداد سجل ناخبين مقدسيين من قبل لجنة الانتخابات المركزية وغيرها من المسائل التقنية اللازمة لضمان حق التصويت ومنع التزوير وغيره من المسائل التي يطرحها التقنيون المختصون.
رابع هذه الحلول يتعلق بذهاب المقدسيين بمغلفات بريدية لمراكز البريد تحمل داخلها أصواتهم وموجهة إلى عنوان للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية. هذا الخيار هو خيار هروبي ، كما ينطوي على مشاكل فنية واخرى متصلة بمواعيد إعلان نتائج الانتخابات يعرفها المختصون الفنيون.
خامس هذه الحلول هي أن يكتفي المقدسيون بالتصويت في الصناديق المقامة في مناطق دولة فلسطين ، وهو حتما ما سيحدث من بعضهم ، ولكنه سيكون بمثابة تسليم بالسيطرة الاسرائيلية على القدس إذا لم يترافق مع اشتباك فلسطيني داخل المدينة عنوانه هو حول حق الانتخابات فيها.
وعليه توصي هذه المقالة بإجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها وعدم تأجيل هذا العرس الديمقراطي الواجب بأي حال من الأحوال ، على أن يرافق هذا العرس فتح اشتباك مع الاحتلال داخل مدينة القدس تدعمه غزة والضفة وفلسطينيو الداخل والمنافي بفعاليات مساندة لإظهار كفاح الشعب الفلسطيني الموحد والتفاف الشعب الفلسطيني كله حول القدس عاصمة فلسطين. وبهذا ينضاف الكفاح من اجل حق الانتخابات في القدس الى الكفاحات المقدسية الاخرى الجارية يوميا ضد الترحيل في الشيخ جراح ومواقع سلوان : البستان وبطن الهوى وواد ياصول ، والى الاشتباكات الليلية اليومية التي تجري مع الاحتلال على مدخل باب العامود منذ بداية شهر رمضان المبارك.