كم تألف الروح الأمكنة ؟!

منى النجم | العراق

لا زالت روحي تطوف حول بيت الطفولة وتجرجرني الأشواق لا خطو نحوه، وكلما طفت به وجدت المواقف حاضرة، والذكريات عتيدة، والروح عشقى تهيم به وبما يحيطه.
لا زال هذا الشعور يخالجني منذ أربعين محبة. سنيّ تصرمت وأنا مشدودة لعتبة ذلك الدار وشجرة الخروع قبالته بمحاذاة باب الجيران التي عصفت بها الريح ذات يوم فاقتلعتها؛ لأجدني حد اللحظة أبحث عن أثر لها.
وكذا حينما سافرت قبل سنتين وأكثر إلى (مشهد) وسكنت في شارع الإمام الرضا في فندق فرعي، وكان الجو شتاءأ فكان كلما خرجت للزيارة تحاصرني الأمطار التي أعشقها؛ فتهطل حنينا دافقا يفجر في نفسي الشوق وتأتلق الروح عشقا، وحينما زرت إيران مؤخرا.
كنت أتمنى أن أحجز غرفة هناك حيث تداعب الروح ذكريات البرد الهاطل مطرا، وأنا أحمل كيس الخبز الساخن فيمدني بزخة دفء حبيب، درت حول المكان طويلا؛ولجتهُ أكثر من مرة وأنا أدعي البحث عن (آتاق) هناك رغم أني أسكن قبالته، بحثت عن كل الوجوه التي عرفتها هناك، وشاهدتها.
الحاج مالك الفندق، السيدة المشرفة على التنظيف، السادة المتناوبون على التعد بأدارته، لم أجد ما أبحث عنه روحيا.
ثمة معاملات جرت لاتمت للروح بصلة انطبعت بطابع مادي بحت بين مالك ومستأجر، لم أجد بغيتي؛ فدرت على نفسي ورجعت أدراجي أجرجر أذيال خيبتي.
ما أبحث عنه هو تلك الخطوات الوئيدات وأنا أقصد أنيس النفوس، ويبللني المطر دون أن يلوث أذيال عبائتي.
هروب المارة من تلك القطرات المنعشة للروح تحت شرفات الفنادق، والاحتماء بواجهات المنازل، والركض صوب المسقفات، إلا أنا؛ مشيت تحت المطر، تلك النعمة المفقودة في بلادي وأنا منتشية، حتى وصلت وأنا مبللة بالكامل، فما كان من الموظفة إلا أن تستقبلني بكوب شاي عراقي (زنكين)، وهي تتمسح بثيابي كقّديسة هبطت عليها من العلياء، وتدور حولي تتبرك بها فأعجب لفعلها وأغيب مع أفكاري أبحث عن سبب للأحتفاء بي من قبلها.
فلعلها تحتاج شيئا من المال تستحثني على إكرامها به.
فأطعت وسواسي اللئيم وأخرجت وريقات تومانية لأدسها في يدها خجلى؛ فانتفضت صارخة :- أنا….. فقط ألتمس دعاء الإمام حسين.
أبكتني كلماتها وخجلت من نفسي أكثر.
كل ذلك الاهتمام والإكرام لأني أحمل عبقا من بقعة تحن إليها بشغف قاتل.. معشوقها كان هناك حيث مهبط الملائكة، وحنينها اصيل متأصل في عمق شعورها.
بينما ظللت أنا أحن لكل الأمكنة التي احتوتني ذات يوم منذ نشوء الإحساس وحتى اللحظة؛ غامت روحي فمتى تمطر.
الآه بعمق العمق تغور
والروح الولهى بالشوق تحير
فمتى تهدأ نفس
ومتى تسكن روح
ومتى قلبي المسكون فجيعة
يكشف ظلمات الديجور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى