مسرِوَايَة: ملوك الجِن (2)
موزة المعمرية | كاتبة عمانية
الفصل الثاني
المَرْدَقُوش
الملك العقنقل يجلس العرش وعلى ميمنته يجلس الوسيق, يدخل المجلس اليفاع معه رجل في الخمسون من عمره ملابسه تنم عن الفقر ولا علامة تبدو عليه من علامات العِرق الملكي, ينظره الملك بتعجب حتى يصل إليه
اليفاع : الرجل الذي طلبت مولاي
الملك : اقترب أيها الرجل
يقترب الرجل أكثر من الملك ليقف أمامه
الملك : قُل لي, أنت من عائلة الملك السابق؟
الرجل : كُنت
الملك : ما اسمك؟
الرجل : المردقوش
الملك : أهذا هو اسمك!
المردقوش : أجل
الملك : وما معناه؟
المردقوش : بقل عشبي زراعي طبي
الملك : قد قيل بأنك أمير!
المردقوش : كُنت
الملك : فلِمَ تسكن المقابر؟
المردقوش : لأفهم .. ولا أفهم
الملك : أفصِح
المردقوش : قضيتُ نصف عمري في المقابر أريد أن أفرُق بين عظام الملوك وعظام عبيدهم .. فلم أستطع
ينظر الملك للمردقوش بتعجب وإعجاب وقد فهم ما يرنوا إليه
الملك بابتسامة بسيطة : والله إنك لحكيم
المردقوش : أتؤمن به؟
الملك : من؟
المردقوش : الله
الملك : من هو الله؟
المردقوش : قلت والله إنك لحكيم
الملك : والله نقولها عندما نعجب بشيء, مالك وهذا الحديث؟
المردقوش : ماذا تعبد؟
الملك : أعبد النار
المردقوش : لِمَ؟
الملك : لأن أبائنا وأجدادنا عبدوها ونحن ماشون على طريقهم, ولأنها قوية هي النار عظيمة والإنسان لا غِنى عنها
المردقوش : عجباً!
الملك : وفيمَ عجبك؟
المردقوش : ألا توقدونها بأيديكم؟
الملك : بلى
المردقوش : فكيف تعبد شيئاً يحيا بيديك ويموت بها!
يستل اليفاع سيفه ليضعه على رقبة المردقوش : ويحك!
الملك : يفاع, اغمد سيفك!
يغمد اليفاع سيفه
الملك : قد أعجبتني يا مردقوش, وبما أنك أمامي الآن أقول لك تمنّى عليّ
المردقوش : أتمنى عليك!
الملك : أجل, لابد وأن لك بعض الأماني تريد تحقيقها فأنت بالنهاية بشر, وبما أنك أمام ملك الملوك وعظيمهم فأقل لك تمنّى عليّ
المردقوش : قد لا يكون لديك ما سأتمنّى
يستل اليفاع سيفه فيُشير له الملك بيده اليُمنى بالتوقف ليغمد اليفاع سيفه بغضبه
الملك : تمنّى وانظر إن كان سيُجاب لك أم لا
المردقوش : فليكن, أريد حياةً خالدة, وصحةً أبديّة, وفرحةً دائمة, أريد شباباً لا يزول, ومالاً لا ينضب, أريد أن أعيش فلا أشقى, أحيا فلا أكدا, أبقى فلا أفنى, هل لديك ما تمنيت الآن أيها الملك؟
ينظر الملك للمردقوش مع الوسيق واليفاع بتعجّب
الملك وبعد صمت : ما طلبته لا أملكه لأُعطيك له
المردقوش بابتسامة بسيطة : إذاً دعني أطلبه ممن عنده
يترك المردقوش الملك ليُغادر المجلس بينما الجميع ينظره بتعجب
الملك : حُق لهذا الإنسان أن يكون ملكاً, إنما أعجب من أُناس ملّكوا غيره عليهم!
الملك يقول في نفسه : والله قد هزمتني يا مردقوش دونما سيف ولم يفعل ملك ملوك قبلك ذلك!
في الليل وفي ذاك المخدع الفاره, الأميرة الرنا واقفة في شرفة مخدعها تنظر السماء ونجومها وقمرها بابتسامتها اللطيفة بينما الأمير سكندر واقفاً خلفها ينظرها نظرة العاشق, يتقدم منها شيئاً فشيئاً من خلفها يُحاول لمس شعرها المتُطاير من فعل الرياح الهادئة فلا يفعل خوفاً عليها من لمسته ثم يسمعها تقول وهي تنظر حديقة القصر بسرور
الرنا : طاهر!
يتقدم سكندر لينظر من شرفة المخدع للحديقة لشاب يقف هناك ينظر شرفة الرنا وبيده وردة حمراء اللون يُقبلها ثم يربطها بخيط بحجر بعدها يرميها في شرفة الرنا, تلتقطها الرنا من على الأرضية في سرور
الرنا وهي تنظره بسعادة تقول بصوتٍ خفيف : حُبي لكَ لا تكفيه ورود العالم كلها
يُصدم سكندر مما سمعه ورآه ليتراجع بخطواته للخلف وهو ينظر الرنا بذهوله وحزنه, عاد سكندر لعالمه الجنيّ حيث اضطجع على سريره وأخذ يبكي بمرارة
سكندر بصوت خفيف : لماذا؟ لماذا؟
أما عن الحكيم الهزق فقد أخذ يمشي في مجلس الملك أسفع حتى وقف بين يديه وانحنى له احتراماً وإجلالاً له
الهزق : مولاي
الملك : استقم هزق, منذ مدة طويلة لم نرك, أكل هذا تأخذك الكتب والعلم منا؟!
الهزق يجلس على المقعد الذي يُشير له الملك بيده اليُمنى بالجلوس عليه
الهزق : معاذ الله مولاي, لكن في الحقيقة مولاي
الملك : حدثني بما تريد هزق, لا تنسَ بأنك صديق قبل أن تكون حكيم
الهزق : ابنك الأمير سكندر في خطرٍ حقيقي وعليك أن تُخلصه منه, لقد حاولت منعه وبأكثر من مرة لكن دونما جدوى
الملك متوجساً خيفة : ما الأمر هزق؟
أخبر الهزق الملك بالأمر وعلى الفور أمر الملك أحد الجند بأن يقصد مخدع ابنه سكندر, يدخل أحد الجند مخدع الأمير سكندر المضطجع على سريره ينظر سقف المخدع بحزن, ينحني الجندي له
الجندي : مولاي الأمير
الأمير : ما بك؟
الجندي : مولاي الملك أسفع يطلب مثولك بين يديه والآن سموك
سكندر : لا أريد رؤية أحد, أغرب عن وجهي
عاد الجندي لملكه ليخبره بما قاله سكندر
الملك بغضب : ولا يريد رؤيتي أيضا!
يقف الملك لينزل من على عرشه وهو يطرق بصولجانه الماسي الطويل الأرض فينحني الجندي له بينما يتبعه الهزق, مشى الملك في أروقة القصر وكله غضب
الهزق : مولاي تروّى, لازال يافعاً
الملك : يافعاً! غداً يملك ملوك الجن كلهم وتقول لي يا فعاً! قسماً لأُأدبنه
يفتح الملك باب مخدع الأمير سكندر على مصراعيه ليدخل بغضبه بينما يدخل الهزق خلفه ليُغلق باب المخدع فينهض سكندر من على السرير وينزل ينظر أباه بتعجب
سكندر : أبي!
الملك : أَوَتترفع عليّ عن الإتيان لي مجلسي عندما أطلبك؟
سكندر : اعذرني أبي لكن نفسي ضائقة بي قليلاً
الملك : بسبب الإنسيّة؟
ينظر سكندر للهزق بتعجب
الملك : لا تنظر للهزق وانظرني أنا
الهزق : كان عليّ أن أُخبره بُني
الملك : يكفي يا هزق, اسمعني جيداً يا سكندر, إن علمت بأنك قصدت تلك الإنسيّة وعالمها قتلتك على الفور, وتعلم بأني لا أُكرر حديثي
يريد الملك مُغادرة مخدع سكندر ثم يلتفت ليقول لابنه بغضب
الملك : كيف ستدين لك ملوك الجن أجمع وأنت تملكك إنسيّة؟!
يخرج الملك من مخدع ابنه بغضبه
سكندر بصوتٍ خفيف حزين وهو يجلس على السرير : وماذا أفعل بقلبي الذي أحبها!
الهزق يقترب منه ليضع يده اليُمنى على كتف سكندر الأيسر : هذا ليس حُباً بُني إنما هو إعجاب, ثم إنها تُحب إنسيّاً مثلها
سكندر : لا, عندما تراني ستُحبني أنا وتفضلني على ذاك التافِه
الهزق : لا بُني, إيّاك وأن تُظهر نفسك لها أو تلمسها فعندها تُهلكها وتُهلك نفسك معها, لا تعد لعالمهم مرةً أخرى فذاك عالم مشؤوم بالنسبة لنا
العقنقل في المجلس الملكي يجلس العرش لينظر اليفاع والوسيق على ميمنته
العقنقل : يُخاطب أشخاصاً مجهولون في الليل! ومن تُراهم يكونوا؟
اليفاع : لا أعلم مولاي, كل ما رأيته أنه عندما جنّ الليل جلس هذا المردقوش تحت شجرةٍ وربّع رجليه واضعاً كفيّ يديه على ركبتيه مغمضاً عينيه وفجأة هبَّت ريح قوية وظهر شيئاً كما, كأنه إعصارٌ من الرمال الغاضبة ثم دار ذاك الشيء حوله وبعدها سكن وظهر صوتٌ خفيّ قوي قال :
“قد طلبتني فماذا تُريد”
وبعدها راح المردقوش يُحدث ذاك الصوت بحديثٍ لم أفهمه وعندما انتهى ظهر ذاك الإعصار مرةً أخرى ودار حوله ثم عاد من حيث أتى واختفى
الوسيق : إنّ هذا الرجل يملك من العلم الكثير يا مولاي
العقنقل : وأنا أقول ذلك أيضا, أطلبه لي يا وسيق
الوسيق : أمر مولاي
الوسيق يتقدم بخيله مع جُنديين يتبعانه بخيليهما من المقبرة ثم يُشير بيده اليُمنى للجنديين بالتوقف ليُكمل هو مسيره لخيمةٍ باليةٍ هو ناظرها, يترجل الوسيق من على ظهر الخيل
الوسيق : أيها المردقوش, يا مردقوش
ينحني الوسيق برٍأسه لينظر في الخيمة فلا يجد أحدا ثم يلتفت خلفه ليجد المردقوش واقفاً خلفه ينظره بابتسامة ويديه خلف ظهره
الوسيق : كيف أتيت من خلفي ولم أشعر بك؟
المردقوش : كما أتيت أنت, تفضل ادخل
الوسيق : لا, الملك العقنقل يطلبك
المردقوش : من يُريدني فليأتِ إلي
يدخل المردقوش الخيمة
الوسيق : لكن ..
يخرج المردقوش بعد بُرهة وهو يحمل قدح ماء يقدمه للوسيق
المردقوش : اشرب
الوسيق ينظر المردقوش ثم القدح باستنكار
المردقوش : لا تخف, إنه ماء مُبارك, إن كنت تخشَ السم فهو ليس لديّ
يأخذ الوسيق قدح الماء فيشربه
الوسيق : ما ألذ هذا الماء, ماء لكنه بلون مختلف قليلاً وبه بعض الحلاوة
المردقوش : ليس بماء, إنما هو ماء النارجيل, أنظر لتلك الأشجار
يُشير المردقوش بيده اليمنى على بعض الأشجار لينظرها الوسيق
المردقوش : تلك الأشجار نقطف ثمارها لنشجها بالفأس فنشرب ماءها العذب ونأكل فيما بعد ثمرها الأبيض الذي نُطلق عليه اسم النارجيل
يُعطي الوسيق قدح الماء للمردقوش
الوسيق بابتسامة : بوركت يداك
المردقوش : ويداك
الوسيق : ألن تأتِ معي للملك؟
المردقوش : إن أرداني هو فليأتِ إليّ, عدا ذلك فلا
الوسيق : فليكن
يريد الوسيق المغادرة
المردقوش : انتظر
ينتظر الوسيق المردقوش الذي يدخل الخيمة فيخرج منها حاملاً ثمرة نارجيل
المردقوش : أعطها لملكك
يأخذ الوسيق النارجيلة منه فيبتسم وهو ينظره
الوسيق : وأفعل
وفي المجلس الملكي يشجع الوسيق النارجيلة بسيفه ليسكب ماءها في كأس فيقدمه للملك, يشرب الملك الماء
الملك : إنه طيب المذاق, إذاً قال لك بأن أذهب أنا له!
اليفاع : لن تفعلها يا مولاي, فليأتِ هو إليك مكبلاً بالسلاسل خانعاً ذليلاً بين يديك
الملك : لا يا يفاع, ليس برجل مثله من يُفعل به ذلك, قُل للجند أن يُسرجوا لي خيلي, إني قاصده
قصد الملك بالفعل المردقوش ولم يمانع ذلك, يقترب الملك العقنقل من خيمة المردقوش تاركاً خلفه الوسيق واليفاع على بُعد مسافة, يترجل الملك من على ظهر خيله ليقترب أكثر من الخيمة فيرى المردقوش يشوي لحم طيرين
المردقوش وهو ينظر الملك بابتسامة : تفضل
ينظر الملك مجرد بساط بسيط من سعف النخيل لكنه برغم ذلك يجلس عليه, يُقدم المردقوش الطيران المشويّان للملك فيأكل الملك وكذلك المردقوش
الملك : شواؤكم طعمه يختلف عن شوائنا
المردقوش : التوابل الشرقيّة هي سبب التغيير
الملك : قل لي يا مردقوش, ما الذي يجعل أميراً من سلالة نبيلة مثلك يسكن المقابر؟
المردقوش يُشير للملك على أحد القبور : أترى ذاك القبر؟
الملك وهو ينظر القبر : أجل, أراه
المردقوش : في ذاك القبر من أُحب, أحببتها وتزوجتها وعشنا أجمل أيّام حياتنا, كادت أن تُنجب لي طفلنا لكنها وفي مرحلة المخاض لم تحتمل الألم فماتت, فارقت الحياة وفي أحشائها ابني, ابني الذي لم يرَ النور قط, دفنتها بيدي وبعدها عافت نفسي كل الدنيا وترفها وما تحمل, بقيت أسكن ها هُنا معها, أحياناً وعندما أنام على قبرها أسمع صوتها تحدثني, وتأتيني لتزورني بصورتها الجميلة في منامي, هذا المكان بالنسبة لي أروع من قصور العالم كلها .. قل لي, ألديك زوجة؟ أبناء؟
العقنقل : كانت لديّ زوجة, لكن لديّ أبناء, ابنة جميلة اسمها الرنا, وابن بهي الطلعة قوي اسمه الفيّاد
المردقوش : ماتت؟
العقنقل : بمرضٍ لم يُعرف له دواء, قُل لي, من تُحدّث بالليل؟
المردقوش بابتسامة بسيطة : عرفت بأن أتباعك كانوا يُراقبونني, من كنتُ أُحدثهم من العالم الآخر
العقنقل : أحقاً! وما هو ذاك العالم الآخر؟
المردقوش : عالم الجن, عالم خفي بالنسبة لنا
العقنقل بتعجب : أوَ حقاً موجود هذا العالم؟
المردقوش : وما حاجتي في الكذب عليك؟
العقنقل : وكيف تتواصل معهم؟ وهل يتحدثون حديثنا؟
المردقوش : الجن يتحدثون بأي لغة هم يُريدونها, أعمارهم تتخطى أعمارنا, تصل للخمسمائة والستمائة عام وأزود, هم لا يشيخون مبكراً أمثالنا, أذكياء وعلمهم يتعدّى علمنا, يستطيعون اختراق عالمنا ومتى شاءوا ذلك, لكننا لا نستطيع ذلك إلاّ من كان منا حكيمٌ عليم وفقيه ويعلم صلة التخاطب معهم, بصرهم خارق هم ويتعدى بصرنا, يستطيعون أن يكونوا بين أيدينا وحولنا دونما شعور منا بهم
العقنقل : كيف أشكالهم؟ هل رأيتهم؟
المردقوش : رأيت البعض منهم, لهم شعر رأس طويل مع أعين حمراء اللون, طِوال القامة ومنهم من هم قِصار القامة لكن النادرون منهم, لكنهم إن ظهروا للبشر يُخيفونهم
العقنقل : إذاً كيف لا يُخيفونك أنت؟
اليفاع والوسيق لازالا على صهوة جواديهما ينظران الملك والمردقوش يتجاذبان أطراف الحديث من بعيد
اليفاع : قد أطال الملك مع هذا الحقير
الوسيق : اخفض جناحك قليلاً للناس يا يفاع, لن تخسر شيئاً بل والله إنك لكاسب, ثم إن المردقوش رجل يستحق الإحترام ويفرضه على من أمامه
اليفاع : ها هو الملك يمتطي جواده ومقبلاً هو علينا
يقترب كل من اليفاع والوسيق من الملك بخليهما ليُكملا المسير لجانبه
اليفاع : تأخرت عند هذا الرجل يا مولاي
لا جواب من الملك لحديث اليفاع الذي ينظر الوسيق بتعجب فيُشير له الوسيق بالصمت بينما الملك يتذكر حديثه مع المردقوش
الملك : صلني بعالمهم
المردقوش : ليس قبل أن أستأذنهم بذلك
الملك : تستأذنهم وأنا ملك ملوك الأرض!
المردقوش بابتسامة : هم لا يأبهون بذلك يا عقنقل
الملك : ويحك يا مردقوش! تُخاطبني باسمي دونما لقبي! ما فعلها أحد قبلك وإلا لكنت قطعت رأسه
المردقوش : وتريد قطع رأسي؟
في مملكة الإنس مملكة الأيار تكون الأميرة الرنا تمشي بين الأشجار في ربوع المملكة والطاهر خلفها
الطاهر : متى يعود الملك؟
الرنا : لماذا؟
الطاهر : لأطلبكِ منه, زوجة لي وللأبد
تتوقف الرنا لتنظر بابتسامتها اللطيفة الطاهر : أحقاً تفعل؟
يُمسكها الطاهر بكلتا يديه ليدور بها بين تلك الشجار الجميلة
الطاهر : أفعل ونتزوج ونُنجب عقنقل
الرنا بابتسامة : فراشة
الطاهر : ليكن, العقنقل وفراشة, أحبكِ
الرنا : أحبك
يفتح الفيّاد باب مخدع الرنا على مصراعيه فيُغلقه خلفه ليقترب من أخته التي تُمشط شعرها
الفيّاد بوجهه الجاد : ما بينكِ وبينه؟
الرنا تتوقف عن تمشيط شعرها : من؟
الفيّاد : الطاهر
الرنا : يريد الزواج بي
الفيّاد : أنتِ أميرة رنا, عليكِ أن تنتبهي لتصرفاتك
تقف الرنا : لمَ؟ أليس على الأميرة أن تُحب؟
الفيّاد ببعض الغضب : احتشمي فأنتِ أمام أخيكِ!
الرنا : ولأنك أخي لا أخشَ أن أقول ذلك لك, هو يريد الزواج بي يا أخي وأنا كذلك
الفيّاد : غداً انتظرا عودة أبي وعندها نُقيم لكما حفلاً لم تشهده ممالك الأرض قط
تبتسم الرنا في فرح فتضم أخاها الذي يُطوقها بكلتا يديه في سرور
الفيّاد : وهل أستطيع أن أُبعد عن وجهك الجميل كل هذا السرور!
أما في مملكة الجن فقد وصلت لأسماع أريانا أنباء لم تكن لتُسر بها قط, أريانا في حديقة القصر تنظر الخشوف بذهول
أريانا : ماذا تقول؟!
الخشوف : المملكة بأسرها تضج بهذا الخبر, ألم يصل إلى مسمعك للآن؟
أريانا : ومن هي, أو من تكون؟
الخشوف : يُقال بأن اسمها الرنا, وهي ابنة ملك ملوك الأرض والذي يُطلق عليه اسم “العقنقل”, ويُقال بأنها جميلة جداً, لكن بالتأكيد ليست بأجمل من أريانا, جميلة جميلات الجن, أريانا عزيزتي اقبلي بالحب الذي أعرض عليكِ, فماذا تُريدين برجلٍ قلبه متعلق بغيرك؟!
أريانا تبتعد عن الخشوف غاضبه
الخشوف بأعلى صوته الغاضب : سيُهلِكُه هذا الحب, وأنت ستذرفين الدمع عليه ليس إلاّ, اللعنة عليكما
لم يكن بيد الملك أسفع حيلة من إبعاد ابنه سكندر عن تلك الإنسية إلا بقصده مع ابنه ذاك القبر, يقف الملك معه ابنه عند قبر ما
الملك : أهل تعلم قبر من هذا يا سكندر؟
سكندر : أجل, إنه قبر عمي الراحل الأمير أمشير
الملك بتنهد : آهٍ يا بُني, موته يحرق فؤادي للآن
سكندر : كيف مات عمي؟
الملك : عمك أمشير كان أميراً نبيلاً من سادة أُمراء الجن, في يومٍ من الأيّام هو مشؤوم ذاك اخترق عمك عالم الإنس المحضور عليه اختراقه كما فعلت أنت وأُعجِب بإنسيّة, طلب من والدي الملك أن يُزوجها له فأبى أبي فعل ذلك لأن ذلك مُخالف لقوانين وأعراف الجن وكذلك هو بالنسبة للإنس, خالف أمشير عُرفنا وقوانيننا وخالف أبي وملوك الجن جميعاً وتزوّج بالإنسية رغماً عنها فكان بها أن ظلت تلك الإنسية مُعذبةً تُعاني الألم إلى أن علم حكيم من الإنس علتها وأراد تخليصها من أمشير وفعل رغماً عن أمشير فاحترق أخي جرّاء ذلك الفعل ومات, شُفيت تلك الإنسية لكنها ظلّت تُعاني من الهلوسات إلى أن ماتت هي الأُخرى, أقسمتُ على أن أنتقم لأخي أمشير لكن ملوك الجن منعوني من فعل ذلك لأن الخطأ كان خطأ أمشير أولاً وليس خطأ الإنس
ينظر الملك ابنه
الملك : والآن بُني هل ستكرر فعلت عمك؟ بُني إن الإنس يموتون في أعمار مبكرة بالنسبة لنا, نحن أعمارنا طويلة بالنسبة لهم, حسناً فلنفرض بأنك تزوجتها وأنجبت منها أيضاً, ستموت هي بعد عدة سنوات وسيموت ابنك أيضاً لأنه سيحمل دماءاً إنسيّة وعندها ستظل أنت في عذاب تتخبط, تتعذب على فراقها وفراق ابنك وحتى أحفادك بُني, عالمنا يختلف عن عالمهم فعُد إلى رشدك بُني, غداً وبعد موتي تحكم ملوك الجن, تأهب لهكذا يوم ومن الآن.
يضم الملك ابنه سكندر الحزين لصدره, عاد سكندر لمخدعه فيما بعد فرأى أريانا جالسة على المقعد تنتظره, تقف أريانا عند رؤيتها له بوجهها الجامد
سكندر : أريانا! ما تفعلين هنا؟
أريانا : أنتظرك لأُحادثك, هل صحيح ما يُقال عنك في أرجاء المملكة؟
يجلس سكندر على المقعد : أريانا أريد أن أخلد للراحة
أريانا تقف أمامه : ليس قبل أن تُجيب سؤالي
سكندر يُسند رأسه على الكرسي ينظر السقف ثم يُغمض عينيه : يا إلهي!
أريانا : لقد أحببتك ومنذ زمنٍ طويل لكنك غير آبه, لماذا سكندر؟
سكندر بصوت الألم : قلبي ليس لكِ
أريانا : أنا جنيّة مثلك ولستُ كتلك الإنسيّة
سكندر يلتفت برأسه لشرفة المخدع ينظر تلك الستائر البيضاء المُتطايرة من فعل الرياح الهادئة بعين حزينة : أخرجي من مخدعي فحديثك يُصيبني بالسَقَم
أريانا : ليكن, لكنك لن تنال شيئاً بحبك لتلك الإنسية وإن كانت ابنة ملك ملوك الأرض
تخرج أريانا من المخدع غاضبة لتدمع عينا سكندر في صمتٍ قاهر, هو يتعذب من عدم مقدرته على حصوله على من أحب قلبه وكذلك هو حال أريانا أيضا.
في مملكة الشرق الملك العقنقل يمشي في حديقة القصر مع المردقوش
العقنقل : جميل هذا العِمران الشرقي وجميلة هذه التصاميم, سأطلب بناء قصرٍ مماثل للرنا عند عودتي لها
المردقوش : فيمَ يُفيدك أن تكون ملك ملوك الأرض؟
الملك : أدخل التاريخ ومن أوسع أبوابه, ثم يكون لي هيلمان ما كان لأحد من قبلي ولا أظن من بعدي أيضا
ينظر الملك للمردقوش الذي يجلس على الأرض ويُطالع السماء
الملك : لمَ جلست على الأرض؟ ولم تُطالع السماء؟
المردقوش : أريد أن أصل لخالقها فلا أصل
الملك : خالقها؟!
المردقوش : قل لي يا عقنقل, ألستم تعبدون النار؟
العقنقل: بلى
المردقوش : والنار هي من خلقت السماء عندكم بكل ما فيها يا تُرى؟
يصمت العقنقل بتعجب
يلتفت المردقوش ينظر الملك بابتسامة : غلبتك أليس كذلك؟
الملك : من أين تأتي بهذا الحديث؟
المردقوش : لا أعلم, لكن كل ما أراه من هذه السماء ووجود النجوم بها دونما أن تسقط والقمر والذي لا يظهر إلا بالليل وطلوع الشمس علينا كل يوم والتي لا تظهر إلا بالنهار أو يظهر النهار بها, وهذه الأرض التي تُخرج من بطنها أصناف الأشجار بألوانها وأشكالها وثمارها المختلفة بعضها حلو وآخر مُر وآخر حامض وغير وغير, ألا يجعلك كل هذا تُذهل مما حولك إن أمعنت النظر فيه! فكّر يا عقنقل, ستُدرك أن هذا الصُنع لا يأتي به حجر من صنع أيدينا ولا نار من فعل أيدينا ولا
شيء, حتى تلك المقبرة التي أسكنها تشهد على عظمة خالق هو موجود في هذا الوجود, خالق عظيم, فكيف نكون في بطون أمهاتنا ونخرج منها ونكبر ثم نشيخ إلى أن نموت ونعود عظاماً في قبورٍ باليةٍ تحت التراب! لكني دوماً ما أتساءل ما يكون بعد تلك القبور يا تُرى؟!
فاجأ المردقوش العقنقل بكل ما كان يتحدث به, فما كان من الملك سوى أنه قصد مجلسه الملكي وأخذ يدور حول مشعل النار ينظره بتمعن ثم أخذ قدح ماء فسكبه على النار وأطفأها به ثم ضحك بسخرية
الملك : معك حق يا مردقوش, نار أُشعلها بيدي وأُطفئها بيدي ليست بآلهة
يدخل كل من اليفاع والوسيق المجلس فينظرا لما فعل الملك
اليفاع : ويلاه! مولاي النار!
الملك : أطفأتُ ناراً أشعلها غيري
اليفاع بذهوله : مولاي إنها ..
الملك : آلهتنا! معبودتنا! كل هذه ترهات لا أساس لها من الصحة, اذهب وانظر لنفسك في المرآة, هل أنت من صُنع النار؟ أنظر السماء والأرض وما فيهن هل كل هذا من صنع النار؟ أنظر لكل الدواب المختلفة, هل هذا من صنع النار؟ أو الحجر, أو أي شيء آخر؟ لا يفاع
اليفاع : قسماً لتُألبنّ الآلهة علينا!
يترك اليفاع المجلس ليخرج منه بغضبه
الملك : وأنت أيها الوسيق, ألن تخرج معه؟
الوسيق : لا, لأني أُدرك صحة ما تقول, في الحقيقة لم أكن مؤمناً بكل هذه الترهات لكني كنت أتبع ما كان يفعل أجدادي وآبائي والعُرف وكل هذه الأشياء, لكن يا مولاي ألا تُحدثني من هذا الذي أيقظ الصحوة فيك؟
العقنقل بابتسامة : المردقوش